للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم عزاء أهل الميت وكيفيته]

السؤال

في هذه المنطقة يحصل الاجتماع في العزاء، فيجتمع أهل القرية أو معظمهم في بيت صاحب الميت، أو في بيت شخص آخر قريب له، ويأتي أهل القرى الأخرى ليعزوا أهل القرية، فنرجو من فضيلتكم أن توضحوا هذه المسألة؟

الجواب

بسم الله، الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فهناك نقطة في السؤال، بعض الأسئلة يقال فيها: في هذه المنطقة، أو هذه المدينة، أو هذه القرية.

وأنا أرى أن الأفضل ألا يقال في هذه المنطقة، ولا في هذه القرية، لأنه قد يكون يفعله بعض الناس ويعمم الحكم، وقد يكون هذا -فعلاً- موجوداً عند كثير، لكن الأفضل والذي أرى أن يُسأل، فيقال: هناك من يفعل كذا وكذا، أو هناك من يقول كذا وكذا دون تحديد لمنطقة أو مدينة؛ لأن المقصود التوجيه، والمقصود معرفة حكم الله عز وجل؛ لأنه قد يكون هذا الأمر شائعاً عند بعض الناس، لكن لا يعتبر حكماً عاماً على الجميع، فالأفضل أن يقال: بعض الناس يفعل هذا الشيء.

أما مسألة العزاء فالسنة أن يعزى المسلم في ميته، والله شرع العزاء؛ لأن المسلم إذا فقد مالاً أو فقد ابناً أو بنتاً أو قريباً فإن قلبه يضعف أمام المصيبة فيحتاج إلى من يثبته، وإلى من يذكره بالله جل وعلا؛ لأن المصائب تهز القلوب -نسأل الله أن يلطف بنا وبكم فيها- لذلك يحتاج المسلم إلى كلمة من أخيه، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعزي، قائلاً له: (إن لله ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، فلتصبر ولتحتسب) وقال: (فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون) إنا لله أي: مِلكٌ لله، (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها).

المقصود أن العزاء مشروع، ولكن ليس بالطريقة التي توسع فيها الناس من إضاءة الأنوار، وفرش الفرش وبسطها، وجعل المواعيد والولائم في بيوت الميت، فهذا كله من البدع المحدثة، فالرجل يعزى في الميت في المقبرة، وهذا من السنة، وكذلك يعزى في المسجد، تقول له: يا فلان! أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، ونحو ذلك من الكلمات التي تجبر بها خاطره وتقوي بها إيمانه، وتوصيه بالسنة.

وأما الجلوس واستقبال الناس على جماعات فقد شدد فيه السلف، ففي صحيح البخاري عن جرير رضي الله عنه أنه قال: [كنا نعد الجلوس في بيت الميت من النياحة] فينبغي تركه قدر المستطاع، ولكن إذا كان هناك أناسٌ يقدمون من سفر، وجلس الإنسان رفقاً بهم ولا يقصد بذلك التشهير فهذا رخص فيه المتأخرون من العلماء، وقالوا: إن الناس بحاجة خاصة الآن مع اتساع المدن، ولكن بشرط ألا يطيل الإنسان عند أهل الميت، بل كان بعض العلماء يشدد في الطعام والشراب عند أهل الميت، حتى إنني أذكر بعض مشايخنا لا يشرب القهوة في العزاء، كل ذلك تورع وتحفظ إذا عزى أهل الميت، حتى لا يذهب أجره.

ولذلك ينبغي التحفظ في مثل هذه الأمور، فإطالة الجلوس عند أهل الميت من المنكرات، وأشد ما يكون المنكر أن يجلس الرجل في بيت الميت، ويجلس يتحدث بفضول الدنيا، فلان باع، والعمارة الفلانية، تقول له: لماذا؟ يقول: حتى أُسلِّي أهل الميت.

سبحان الله! الله ينزل هذه المصائب حتى تنكسر القلوب وتنيب إلى الله جل وعلا، ويتذكر الإنسان ويتبصر، وتأتي تلهي عباد الله عن ذكر الله جل وعلا! فهذا من الغفلة -نسأل الله العافية- والسلامة، فينبغي اتقاء مثل هذه الأمور، وأن يكون العزاء على الوجه المعتبر شرعاً، والله تعالى أعلم.