للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفقة من اغتنام الحياة]

ألا وإن من اغتنام الحياة اغتنامها بإنفاق الأموال في طاعة الله، أن يسخر الإنسان ماله لطاعة الله ومحبة الله، أنفق ينفق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك (ما من يوم من الأيام إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً).

يا من أكرمك الله بالأموال! اغتنم هذه الحياة بإنفاقها، وأسر المال قبل أن يأسرك، وخذ من المال زاداً للآخرة، واعتبره وسيلة للتجارة الرابحة، أنفق من مالك طيبة به نفسك، استر به عورات المؤمنين، وفرج به كربات عباد الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن (العبد يوم القيامة في ظل صدقته).

وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقي العبد النار بشق تمرة، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دخل على عائشة وكانت قد دخلت عليها امرأة معها صبيتان، فاستطعمت أم المؤمنين، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت لكل بنت تمرة، فلما أرادت أن تأكل التمرة الثالثة استطعمتها إحدى البنتين فأخذت تلك التمرة وأعطتها لابنتها ولم تأكل منها شيئاً، فعجبت عائشة رضي الله عنها من صنيعها، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبين من صنيعها؟ إن الله حرمها على النار بتلك التمرة).

أخي في الله: إن إنفاق الأموال وبذلها في محبة الكبير المتعال من أعظم الخصال الموجبة لرحمة الله جل وعلا، كم من هموم فرجها الله عن الذين يسترون عورات المسلمين! كم من هموم وغموم نفسها الله لمن نفس هموم إخوانه المؤمنين! كم من مكروب فرج الله كربه بالنفقات! فأنفق على إخوانك ينفق الله عليك، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

الإكثار من النفقات من أعظم الأسباب التي يرحم الله جل وعلا بها العباد، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله رحم عبداً أنعم عليه بالمال فكان يداين الناس، فكان إذا جاءه المعسر قال لأصحابه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فقال صلى الله عليه وسلم: فلقي الله جل وعلا، فقال الله: نحن أحق بالتجاوز عنه، تجاوزوا عن عبدي).

فمن أكثر من إنفاق الأموال ستره الله بإنفاقها، ورحمه الله ببذلها، إن المال غادٍ ورائح، فكن سخي اليد في محبة الله ومرضاة الله، وكيف تنعم عين المؤمن بالراحة والسرور وعورات المسلمين قد انكشفت؟ وكيف ينعم المؤمن بنومه والمال بين يديه، وجراح المسلمين قد سالت؟ وكيف ينعم المؤمن بالراحة والسرور والمال بين يديه وأخوه في هم الدين وغمه؟ فأنفق ينفق الله جل وعلا عليك، وأكثر من الصدقات، واقصد بها وجه الله جل وعلا يكن لك في ذلك خيري الدنيا والآخرة.