سجدة الشكر أصح الأقوال فيها هو قول الجمهور، وهو أنها مشروعة وجائزة، فلا حرج على الإنسان أن يشكر ربه، فإن الشكر كما يكون بالقول يكون بالفعل، فالشكر له ثلاث حالات: شكر القلب، وأشار الله إليه بقوله:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:٥٣] وهو أنك لا تمسي وتصبح إلا وأنت تعتقد أنه لا خير إلا من الله جل وعلا، وأنه لا نعمة تعيشها في نفسك ولا أهلك ولا ولدك إلا بفضل الله وحده، لا بحولك ولا قوتك لكن بفضل الله جل جلاله، فهذا شكر القلب:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:٥٣] أي: اعتقدوا فضله فيها.
النوع الثاني من الشكر: شكر اللسان، وأشار الله إليه بقوله:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:١١] وهو أن تحدث وتقول: أنعم الله علي فسترني ورزقني وعافاني وأكرمني ورفعني ويسِّر لي؛ فتذكر نعم الله عليك، وتجلس مع أبنائك وبناتك تحدثهم بما كنت فيه من فقر وما صرت إليه من غنى، وبما كنت فيه من مرض وصرت إليه من عافية هكذا، فهذا من شكر الله جل وعلا، وقد قال الله عن هذا الشكر:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:٧] فمن شكر شكر الله له شكره، وبارك له في نعمته، ومن كفر فإن الله غني حميد، من شكر تأذن الله له بالمزيد، ومن كفر فإن الله غني عن العبيد.
الأمر الثالث: وهو شكر العمل؛ فمن شكر العمل أن تصلي، فمثلاً: تذكرت كربة من الكربات فرجها الله عنك في صحتك ومالك وأهلك، فما تمالكت إلا أن قمت وتوضأت وصليت لله ركعتين شكراً له على هذا الفضل؛ فهذا من أبلغ ما يكون من الشكر، ولذلك قالوا في قوله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}[سبأ:١٣] إن آل داود أعطاهم الله الخيرات وبسط لهم من النعم حتى إن الريح تجري بأمر سليمان رخاء حيث أصاب {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[ص:٣٧ - ٣٩] ففتح الله لهم من الخيرات والبركات ما الله به عليم، ثم قال لهم:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}:سبأ:١٣] أي: هذه النعم للشكر، ولكي تقيد بحمد الله والثناء عليه، وورد في الأثر أنه لما أوحى الله إليهم:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}[سبأ:١٣] ما مرت عليهم لحظة إلا وفيهم عبد قائم يصلي أو ساجد بين يدي الله جل جلاله.
فهذا من شكر العمل، فتشكر الله بالصلاة، وتشكره -أيضاً- بالصدقة، فإنه يعطيك المال فتتصدق، وتشكره -أيضاً- حين يأتيك الفقير فتعطيه، تقول: نعم الله أغناني وكنت فقيراً، مثلما ورد في حديث الأعمى، فهذا من شكر النعم، كذلك سجدة الشكر؛ كأن تكون جالساً في يوم من الأيام فجاءتك النعمة أو جاءك الخبر السار، فعظمت نعمة الله في قلبك، فخررت ساجداً لوجه الله جل جلاله، فأثنيت على الله وحمدته، فنظر الله إليك في تلك الساعة التي أصابتك فيها نعمته، أنه أول ما بدا عليك أن شكرت الله جل جلاله، فهذا حال الصالحين، شكر الله بالقول والفعل والجنان.
ولذلك إذا كمل شكر العبد كمل بهذه الأمور، وإذا أراد الله بالعبد النقمة سلبه الشكر، قال بعض السلف في قوله تعالى:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:١٨٣] قال: من كيد الله للعبد ومكره به، أنه يعطيه النعمة ويسلبه الشكر حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر والعياذ بالله؛ لأنه كلما كفر كلما اشتد غضب الله عليه؛ فيزيده الله نعماً فيزداد كفراً، فيزيده نعماً فيزداد كفراً، حتى إذا جاءته النقمة تأتيه على أكمل ما تكون، نسأل الله السلامة والعافية.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يملأ قلوبنا وقلوبكم وألسنتنا وألسنتكم شكراً له جل جلاله.
اللهم إنا نسألك شكر نعمك، ونعوذ بك من زوال نعمك وفجاءة نقمك، إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.