للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من آثار الرحمة]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يليق بجلال ربنا وعظمته وكماله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ يخاف من لقائه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وعلى من سار على نهجه ومنواله.

أما بعد: فأحييكم بتحية الإسلام: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:٦١] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفي بداية هذا اللقاء أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي المشايخ الفضلاء الذين تسببوا في هذا اللقاء خيراً، وأسأل الله العظيم أن يكتب لكم الخطا، وأن يوجب بها الحب والرضا، فإن الدنيا فانية وكل ما عليها زائل، ولا يبقى إلا ما أريد به وجه الله، ومن ابتغى ما عند الله أقر الله عينه، والقليل من العبد في معاملته مع الله كثيرٌ عند الله بمنه وفضله وكرمه، فقد تكون الخطوة إلى طاعةٍ وبر موجبةً لمحبة الله للعبد محبةً لا يسخط بعدها أبداً، وقد تكون الكلمة من محبة الله لا يلقي لها العبد بالاً يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، فأسأل الله العظيم أن يجعل أعمالنا مقبولةً عنده، وهو أهل الفضل والتكريم.

أيها الأحبة في الله: إن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة لعلمه سبحانه أن عباده أفقر ما يكونون إلى رحمته كتب على نفسه الرحمة وقسمها بين خلقه وعباده، فإذا أراد الله أن يسعد عبداً من عباده ملأ قلبه بالرحمة، حتى يعظم خيره، ويضاعف أجره، وتكفر خطيئته وترفع درجته.

إنها الرحمة التي قام عليها الإسلام {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧].

إنها الرحمة التي لا تنزع إلا من شقي، قال: (يا رسول الله! إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحداً، قال: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!).

إنها الرحمة التي إذا دخلت إلى القلوب اطمأنت وانشرحت، وإلى الخير سابقت وأسرعت {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩] من دخلت في قلبه الرحمة صار ليّن القلب يهش لطاعة الله، ويبش في مرضاة الله، سباقاً إلى كل شيءٍ يشتري به رحمة الله.

الرحمة هي: أمرٌ غيبي لا يعلمه إلا الله علام الغيوب، الله أعلم كم أسكن من رحمته في القلوب، فإذا أراد سبحانه بعبده خير الدنيا والآخرة جعل حظه من ذلك وافراً، فمن سكنت في قلبه الرحمة رحمه الله في الدنيا والآخرة.

رحمه الله في الدنيا فلطف به في النكبات، وأحاطه بلطفه ورحمته، كما رحم المؤمنين والمؤمنات {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠] ورحمه الله عند موته فلطف به في السكرات وأحسن له الخاتمة، قال بعض أهل العلم: أشهد أني ما علمت إنساناً رحيماً فساءت خاتمته.

فغالباً ما يكون المرحوم الذي ملئ قلبه بالرحمة قرير العين عن ربه، حتى في آخر لحظات عمره، إذا أسكن الله الرحمات في قلب عبده رحمه في لحده، ورحمه في قبره حتى بدعوات المؤمنين والمؤمنات.

فكم من رحماء توطنوا القبور وهم بشرى ما قدموه من القول والعمل، ماتوا وما ماتت مكارمهم، ماتوا وقد أتبعهم الله بصالح الدعوات، فكم من أرملة ترفع كفها إلى الله داعيةً بالخير له، وكم من يتيمٍ ومحروم يسأل الله أن يجعل مضاجعهم مضاجع الروح والريحان والنعيم والجنان.

إنها الرحمة التي ينبغي للمسلم أن يتخلق بها، وأن يكون من أهلها.