ثم نقلت عن الأحباب، وحملت إلى التراب، فيا ساكن القبر غداً! ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء؟ وأين نخلك المضطرد؟ أين رقاق ثيابك؟ فيا مجاور المهلكات! صرت في محل الأموات.
وأنزلوني إلى قبري على مهل وقدموا واحداً منهم يلحدني وكشف الثوب عن وجهي لينظرني وأسبل الدمع من عينيه أغرقني فقام محترماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني فلا إله إلا الله! من ساعة نزلت فيها أول منازل الآخرة، لا إله إلا الله! إذ صرت في عداد تلك السفينة الناخرة، واستقبلت الحياة الجديدة، فإما عيشة سعيدة أو عيشة نكدة، ونزلت في عداد أولئك الغرباء، بين الأجداث والبلاء، هناك في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أب شفيق ولا أخ يؤانسني أين صديقك المؤانس؟ أين رفيقك المجالس؟ لقد وضعت في القبر على غير وهاد ولا وساد، ولا مقدمة زاد ولا استعداد، فتخيل نفسك في ذلك المكان.
فيه الظلام كذا السكون مخيم والروح رُد وجاءني الملكان فلا إله إلا الله! من دار تقارب سكانها وتفاوت عمارها، فقبر يتقلب في النعيم والرضوان العظيم من الرحيم الحليم الكريم، وقبر في دركات الجحيم، والعذاب المقيم.
ننادي ولا مجيب، ونستعصم ولا مستجيب، انقطعت الأيام بما فيها، وعاين الإنسان ما كان يقترف فيها.
وهالني صورة في العين إذ نظرت من هول مَطْلَعِ ما قد كان أدهشني من منكر ونكير ما أقول لهم قد هالني أمرهم جداً فأفزعني وأقعدوني وجدوا في سؤالهم ما لي سواك إلهي من يخلصني أصبحت في ضيق وكربات، وهم وحسرات، من ظلمات القبور وسؤال منكر ونكير، والخلود في البرزخ إلى يوم البعث والنشور.