ثم إذا أراد أن يطوف بالبيت تذكر عظمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعزه وجبروته في هذا البيت الذي شرفه وكرمه وفضله، فهو إذا وقف أمام البيت تذكر من بناه إمام الحنفاء وقدوتهم صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ إبراهيم الخليل الذي بنى هذه القواعد من أجل التوحيد، وأرسى هذا البناء من أجل كلمة الإخلاص، ومن أجل أن يعبد الله وحده لا إله غيره ولا رب سواه.
ولذلك سأل الله عَزَّ وَجَلَ وابتهل إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجنبه وذريته عبودية الأصنام، وسأل الله أن يجعل حياته كلها له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا لأي شيء سواه {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم:٣٥] فسأل الله الإخلاص وسأل الله التوحيد، فإذا وقفت أمام ذلك البيت تذكرت هذه القدوة الكاملة الفاضلة التي اختارها الله عَزَّ وَجَلَ لمن بعده إماماً في التوحيد والإسلام والاستسلام.
ثم إذا طاف العبد بالبيت تذكر أنه لا يطوف بهذه الحجارة إلا عبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يطوف تعظيماً للحجر، ولا تعظيماً لهذا الجماد، ولكن تعظيماً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله هو الذي أمره وهو الذي أوجب عليه هذه العبادة فلا يسعه إلا التسليم {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:٦٥] ولذلك وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أمام الحجر، فقال كلمته المشهورة:[أما إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك] أي: أن الدين كله قائم على هذا التسليم، إن جاءت العبادة سلم بها العبد وأتى بها على وجهها دون غلو أو شطط، ودون زيادة واعتقاد في الأحجار والأشجار والمواضع, وإنما يعتقد في الله وحده لا إله غيره ولا رب سواه.