للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطريقة المثلى في طلب العلم]

السؤال

جميع الإخوة يقولون لشيخنا نحبك في الله، ونسأل الله أن يجمعنا في دار الكرامة، وهنا أسئلة كثيرة حول الطريقة المثلى لطلب العلم، وما هي الكتب التي تنصحونا بها في بداية الطلب؟

الجواب

باسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أما بعد: فأشهد الله العظيم رب العرش الكريم على حبكم فيه، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعنا بهذا الحب في دار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أما الطريقة المثلى في طلب العلم فأول ما ينبغي على طالب العلم كما ذكرنا: أن يصلح ما بينه وبين الله بالإخلاص.

ثانياً: أن يحرص على وجود عالم صادقٍ قد ورث العلم عن أهل العلم، فإذا وجدت العالم العامل الذي هو على منهج الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح لهذه الأمة فإنه يدلك على ما فيه صلاح دينك ودنياك وآخرتك، فإذاً لا بد من الكتاب والسنة وطبيب هو العالم الرباني، والتوفيق في الطريقة المثلى، والطريقة التي ينبغي أن يسلكها طالب العلم تختلف من شخصٍ إلى آخر، أي: لا أستطيع أن أحدد لك طريقاً سرت أنا عليها مثلاً؛ لأنها قد تنفعني ولا تنفع لك، وقد يكون الإنسان مشغولاً فللمشغول طريقة تتلاءم مع شغله، وللفارغ له طريقة تتلاءم مع فراغه ووقته الواسع، فلا يستطيع الإنسان أن يرسم للناس منهجاً معيناً في الطلب.

لكن هناك قواعد عامة وهي: أولها أن تهيئ من نفسك ما يعينك على ضبط العلم، من صدق الرغبة -كما ذكرنا- وقوة العزيمة في طلب هذا العلم والتضحية من أجله.

ثانياً: أن تبحث عن عالمٍ صادق وتجلس بين يديه، فينظر إليك، وينظر ما هي حدود إمكانياتك ووقتك وجهدك، وما الذي ترغبه من العلوم، وما الذي هو حريٌ أن يعلمك إياه، فهذا هو الذي يمكن أن يحدد من خلال المنهج والطريقة، هذا بالنسبة للأشخاص وطريقة تناولهم للعلم.

أما بالنسبة للعلوم فإن أهم العلوم وأعظمها والأساس التي ينبغي العناية به علم التوحيد والعقيدة؛ لأن ضبط هذا الثغر بلاؤه عظيم وأجره كبيرٌ عند الله سبحانه وتعالى، خاصة إذا كان الإنسان في بيئته وقومه وجماعته وهم يحتاجون إلى هذا العلم؛ لأنه يتأكد عليه أكثر، أما إذا كانت عقائد الناس الذين يعيش بينهم على صلاحٍ واستقامة لكنهم يخلطون في معاملاتهم يتبايعون في الحرام، ويشترون الحرام ويقعون في الآثام فحينئذٍ تركز على المعاملات مع العناية بالأصل، لأن العناية بالأصل سواءً وجد من يحتاجه أو لا يوجد في بيئة الإنسان، لكن يعتني الإنسان بحاجة الناس في أحكامهم أيضاً إذا كانوا على استقامة في عقيدتهم وأصول دينهم، فيقرأ فقه العبادات: من صلاة وزكاة وصيام وحج، وما يتبع ذلك من سائر العبادات، ثم بعد ذلك يقرأ فقه المعاملات المالية: من بيعٍ وشراء وإجارة ورهن وشركات وغير ذلك من المعاملات التي تعم بها البلوى، ثم يدرس المعاملات التي يعيشها قومه، ويتعاملون بها، فيسأل أصحاب السوق عن معاملاتهم وتجارتهم فيكون على خلفية وإلمامٍ وضبط وإتقان حتى يسد هذه الثغرة من الناس.

كذلك أيضاً: ينظر الإنسان إلى العلوم المساعدة التي يتمكن بها من ضبط هذا العلم كعلم الأصول، وكذلك علم قواعد العربية التي يضبط بها دلالات الكتاب ودلالات السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن عربياً وبلسانٍ عربيٍ مبين، وبين أن ذلك لكي يعقل ويفهم الناس ما في هذه اللغة من أسرار وحكمٍ عظيمة فعلم اللغة وضبطها والإلمام بها {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:٣] فهذا علمٌ عزيز، وعلمٌ له مكانته فإنه يساعد على فهم الكتاب وفهم السنة.

كذلك أيضاً: يلم بالأمور التي تساعد على ضبط العلوم المتفرقة التي يمكن أن يستعان بها على ضبط الأصول وجماع الخير كله تقوى الله، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرا، ومن اتقى الله جعل له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، والله تعالى أعلم.

أما بالنسبة للكتب فالكتب قد رتبها العلماء، فإنه إذا جاء إلى أي فن يجد هناك كتباً مبسطة يبدأ بها، فالعلم المنضبط أن تبدأ بصغائر العلم قبل كباره، قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:٧٩] قيل في تفسير هذه الآية: أن يتعلم صغير العلم قبل كبيره فتأخذ الكتب المطولة بعد إتقانك للكتب المختصرة، وفي كل فن مطولات، وفي كل فن مختصرات، فيبدأ بالكتب المختصرة ويتدرج فيها حتى يلم ويصل إلى معالي الأمور في طلب العلم، والله تعالى أعلم.