وحاصله: أنك بَيْن أمرين على هذا التقدير، إما أن تبطلَ قولك بتغيير الدَّعوى، وتقرَّ بأنَّ هذه الدعوى هي الأولى، فيبطل الكلام، أو تعترفَ بخلاف قولك وترجع عن قولك. ومتى بطل قولك على هذا التقدير بطل قولك؛ لأنه لا يتم حتى يَبِيْن حصولُ الغرضِ على كلِّ واحدٍ من التقدِيْرَين، فإنه إذا لم يتم على أحدهما مع جواز أن يكون هو الواقع لم يعلم صحة المدَّعَى، فأيُّ ظهورٍ في هذا؟!
الوجه الخامس: قوله: «وإن كان الوجوبُ ثابتًا في صورة النقض فكذلك» أي: هو ظاهر لتحقُّق الوجوب في الفرع، لسلامة الدليل عن التخلُّف.
قلنا: إذا كان الوجوبُ ثابتًا في صورة النقض؛ فقد بطل قولُكَ في صورة النقض؛ لأنك تعتقدُ عدم الوجوب فيها، فإذا لم يتم حكم الفرع إلا بتقدير الوجوب فيها، لم يتم حكم الفرع إلا بالرجوع عن المذهب في صورة النقض، وهذا من أكبر الانقطاع، وهو مطلوب الخصم، أن يبيِّن أنَّ صحَّةَ هذا القول لا يتم إلا بفساد قولٍ آخر.
وإن قال: أنا ردَدْتُ الكلامَ فلا يضرني لزوم المحذور على أحدِ التقديْرَين، بجواز أن يكون الواقع هو التقدير الآخر.
قيل له: قد بيَّنا أن المحذورَ يلزمُك على كلِّ واحدٍ من التقديرَين، وأيضًا: فقد بيَّنًّا أنَّ غرضك لا يحصُل على واحدٍ من التقديرين؛ لأن الغرضَ إنما يتمُّ بثبوتِ الوجوب في الفرع وعدمِه في الأصل، وهذا المجموعُ لا يحصُل على التقدير الأوَّل، ولا على التقدير الثاني، فبطل كلامُك من كلِّ وَجْه.