فإن قيل: فقد رويتم في أوائلِ البابِ أنهُ [ﷺ] تمتعَ، ثم رويتم أنه تندَّمُ كيفَ ساقَ الهديَ، ولم يمكنهُ أن يفسخَ؛ فإن نصرتُم هذا بطلَ احتجاجُكُم بأنهُ تمتعَ، وإن نصرتُم مذهبكُم في فسخِ الحج إلى العمرةِ، فإنما أمرَ بالفسخِ؛ ليخالفَ المشركينَ، من كونهم كانوا يرونَ العمرةَ في أشهر الحج من أفجرِ الفجورِ.
وقد روى الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال، عن أبيه، قال:«قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فسخَ الحجُّ لنا خاصةً، أم للناسِ عامةً؟ قال: بل لنا خاصةً».
قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن إبراهيمَ التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر «أنه سئلَ عن متعةِ الحج، فقالَ: هي واللهِ لنا؛ أصحاب محمدٍ خاصةً، وليست لسائرِ الناسِ إلا لمحصرٍ».
قُلنا: إذا صحت الأحاديثُ فلا وجه لردِّها، بل يجمعُ بينها، فيقالُ: إنه [ﷺ] كان قد اعتمر وتحللَ، ثم أحرمَ بالحج، وساق الهديَ، ثم أمرهم بالفسخِ ليفعلوا كفعاله، لأنهم لم يكونوا أحرموا بعمرةٍ، ومنعه من فسخ الحج إلى عمرةٍ ثانيةٍ عمرته الأولى، وسوقهُ الهدي.
قال كاتبهُ: هذا جمعٌ باردٌ ومجرد دعوى ما لم يكن. ثم قالَ: فإن قالوا: إنما علَل بسوقِ الهدي، لا بفعلِ عُمرةٍ متقدمةٍ. قلنا: اقتصرَ على علةٍ واحدةٍ.
قالَ أحمدُ: لا يثبتُ حديثُ بلالِ بن الحارثِ، ولا يرويه غير الدراوردي. قال: وحديث أبي ذر يرويه رجلٌ من أهل الكوفةِ، لم يلقَ أبا ذر، ثم إنه ظنَّ من أبي ذر.