- ومع ذلك فقد سها أو دلّس في نقله عن السلف، حيث لم يسق النقل هنا بتمامه (١) بل اكتفى بتقرير أنهم يرون أن الجهاد تطوّع! وفي سياقه بتمامه عن الجصاص ردٌ عليه، ولن أعلّق عليه لكفايته، قال الجصاص:
- (أهل الثغور متى اكتفوا بأنفسهم، ولم تكن لهم حاجة إلى غيرهم فليس يكادون يستنفرون، ولكن لو استنفرهم الإمام مع كفاية من في وجه العدو من أهل الثغور وجيوش المسلمين؛ لأنه يريد أن يغزو أهل الحرب ويطأ ديارهم فعلى من استنفر من المسلمين أن ينفروا. وهذا هو موضع الخلاف بين الفقهاء في فرض الجهاد، فحكي عن ابن شبرمة والثوري في آخرين أن الجهاد تطوع وليس بفرض … وقد روي فيه عن ابن عمر نحو ذلك، وإن كان مختلفا في صحة الرواية عنه … وروي عن عطاء وعمرو بن دينار نحوه … وقد ذكر أبو عبيد أن سفيان الثوري كان يقول: ليس بفرض، ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين. وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم، ولكن موضع الخلاف بينهم أنه متى كان بإزاء العدو مقاومين له، ولا يخافون غلبة العدو عليهم هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية؟ فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار وابن شبرمة أنه جائز للإمام والمسلمين أن لا يغزوهم، وأن يقعدوا عنهم … وجائز أن يكون قول ابن عمر وعطاء وعمرو بن دينار في أن
(١) في أول البحث ص (١/ ٩) ساق النقل عن الجصاص بسياق أتم، وهنا (١/ ٤٠٥) اقتضبه جداً!