للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسليم به فإن قوله في الجديد هو التحريم (١)، وهو الصحيح المعتبر، فلا يعكر القديم على الإجماع، كما قال النووي: (والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصولين أن المجتهد إذا قال قولاً ثم رجع عنه لايبقي قولاً له ولاينسب إليه، قالوا: وإنما يذكر القديم وينسب إلى الشافعي مجازاً، وباسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن، فحصل مما ذكرناه أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب، وإناء الفضة) (٢).

- وأما مانُسب لداود الظاهري (٣) من القول بأن المحرم هو الشرب


(١) قال في الأم (١/ ٢٣): ( … آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيهما … فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الفعل من الشرب فيها معصية)، وقد فهم أصحاب الشافعي من قوله: (أكره) = التحريم، انظر: المهذب (١/ ٢٩) وغيره، وهذا الذي صرح به الشافعي في آخر النقل بقوله: (معصية)، وإطلاق لفظ الكراهة مراداً به التحريم كثير في كلام السلف الذين أثّر فيهم القرآن وأسلوبه، كما قال الله بعد أن ذكر بعض المحرمات كعقوق الوالدين، والتبذير، والقتل بغير حق، وقربان الزنا، وغيرها: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨)}، قال ابن القيم: (السلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله). إعلام الموقعين (١/ ٣٤).
(٢) شرح النووي على مسلم (١٤/ ٣٠).
(٣) قال النووي في المجموع (٩/ ٢٤٣): (وحكى أصحابنا عن داود أنه قال: إنما يحرم الشرب دون الأكل والطهارة وغيرهما)، وممن نقل هذا القول عن داود من الشافعية أبوحامد الغزالي في الوسيط (١/ ٢٤٠)، وأبوبكر القفال في حلية العلماء (١/ ١٠١)، والعمراني في البيان (١/ ٨٠) وغيرهم، ولاعجب في نقل الشافعية عن داود فإنه كان شافعياً قبل أن يستقل بأصوله الظاهرية، وهو مذكور في طبقات الشافعية، وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه، بل قال السبكي في طبقات الشافعية (١/ ٣٤٣): (وَأول من بلغني صنف في مناقب الشافعي الإمام داود بن علي الأصفهاني إمام أهل الظاهر). و انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٢/ ٢٨٤)، طبقات الشافعيين لابن كثير ص (١٧٢)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (١/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>