للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل إبقاء العام على عمومه، والمطلق على إطلاقه حتى يظهر دليل التخصيص أو التقييد، ومن الأقيسة التي تدل على جواز تلاوة الجنب للقرآن: (أليس القرآن في جوفه)؟! (١)، أي: الجنب.

المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:

بعد عرض هذا الرأي ودراسته لاشك أن نسبته إلى الشذوذ غير صحيحة؛ فإنه لم يخالف نصاً صحيحاً، ولم يخرم إجماعاً متحققاً، وقد استند قائله إلى أدلة قوية، له فيها سلف، فهو رأي دائر بين راجح ومرجوح، وإن كان القول بعدم المنع أرجح؛ لاعتماده على ظاهر نص صحيح، وقول صحابي جليل، مع استصحاب البراءة الأصلية، أما المنع فأقوى مافيه قول الخليفتين: عمر وعلي -رضي الله عنهما-، مع إمكان حمل نهيهما على التنزيه وطلب الكمال، وهذا لا نزاع فيه، كما أن الخروج من الخلاف مستحب (٢)، والترخيص في الأوراد اليسيرة أظهر كآية الكرسي عند النوم، وأما قصد القراءة فيكره ولا يحرم، والله أعلم.


(١) روي ذلك عن سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير. انظر: فضائل القرآن للقاسم بن سلام ص (١٩٥)، الأوسط (٢/ ٩٨)، المحلى (١/ ٩٦)، وجوّد الألباني إسناد المروي عن ابن جبير، كما في تمام المنة ص (١١٨).
(٢) قال النووي في شرحه على مسلم (٢/ ٢٣): (فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر) وزاد ابن السبكي في الأشباه والنظائر (١/ ١١٢) قيداً ثالثاً وهو: (أن يقوى مدرك الخلاف، فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدوداً من الهفوات والسقطات)، وهذه الأفضلية كما قال ابن السبكي: (ليست لثبوت سنة خاصة فيه، بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين، وهو مطلوب شرعا مطلقاً، فكان القول بأن الخروج أفضل ثابت من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعاً)، وبمثلِ هذهِ القيودِ الثلاثةِ يستقيمُ القول بأفضلية الخروج من الخلاف؛ ولذلك فإن الشيخ ابن عثيمين يقول في الشرح الممتع (١/ ٣٢): (التعليل بالخلاف لا يصح … ولا يقبل التعليل بقولك: خروجاً من الخلاف)؛ لكن الشيخ يقبل التعليل بذلك عند اجتماع القيود كما قال: (إن كان لهذا الخلاف حظ من النظر، والأدلة تحتمله، فنكرهه، لا لأن فيه خلافاً، ولكن؛ لأن الأدلة تحتمله، فيكون من باب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». الشرح الممتع (١/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>