للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: صورةُ المسألةِ، وتحريرُ مَحَلِّ الشُّذوذِ:

المقصود بالدم الكثير: الدم الجاري في أصل خلقته؛ لأن الله تعالى شرط فى نجاسته أن يكون مسفوحًا، فقال تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} (١)، وكنّى بالمسفوح عن الكثير الجاري (٢)، أو الذي من شأنه أن يسيل (٣)؛ فالقليل ليس من شأنه أن يسيل، قال ابن عبدالبر: (ومعنى المسفوح: الجاري الكثير) (٤).

فخرج بقيد المسفوحِ الجامدُ المنصوص عليه كالكبد و الطحال، و اليسيرُ كالذي بين اللحم وفي العروق، وهذا هو مفهوم هذه الآية {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} قال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبَّع المسلمون من العروق ما تتبعتِ اليهود (٥)، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا نُنْكره) (٦).

وهذا هو تحرير محل الشذوذ، وتبيين محل النزاع في المسألة:

١. فقد أجمع العلماء على طهارة الكبد والطحال (٧)، وعلى طهارة


(١) من الآية (١٤٥) من سورة الأنعام، قال ابن فارس: (السين والفاء والحاء أصل واحد يدل على إراقة شيء. يقال سفح الدم، إذا صبه. وسفح الدم: هراقه. والسِفَاح: صب الماء بلا عقد نكاح) مقاييس اللغة (٣/ ٨١).
(٢) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (١/ ٣٣٩).
(٣) انظر: دفع الإلباس للأقفهسي ص (١١٨)، قال: (المسفوح هو الذي يسيل كذا قال أكثرهم، والصواب أن المسفوح هو الذي من شأنه أن يسيل).
(٤) الاستذكار (١/ ٢٣١)، وانظر: طلبة الطلبة ص (٩).
(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٢/ ١٩٣).
(٦) ذكره القرطبي بلا إسناد (٢/ ٢٢٢)، وروى الطبري بسنده نحوه (١٢/ ١٩٤).
(٧) وممن نقل الإجماع ابن جرير في تفسيره (٨/ ٥٤)، والقرطبي في تفسيره (٢/ ٢٢)، والنووي في المجموع (٢/ ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>