[المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل]
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم حلق اللحية:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
١/ حديث ابن عمر -رضي الله عنه- المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«أحفوا الشوارب، وأعفوا اللّحى»(١)، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي
(١) أخرجه البخاري (٥٨٩٣)، ومسلم (٢٥٩)، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري «أنهكوا» بدلاً من «أحفوا»، وليس في هذه الرواية ذكرٌ لمخالفة المشركين وهي أثبت من الرواية التي فيها ذكر ذلك من حديث ابن عمر لأمور، أولها: أن هذه الرواية من طريق عبيدالله بن عمر (ثقة ثبت)، عن نافع، عن عبدالله بن عمر به، والرواية التي فيها مخالفة المشركين وردت من طريق عمر بن محمد (ثقة)، عن نافع، عن ابن عمر به، و عبيدالله بن عمر أثبت الناس في نافع، حتى من الإمام مالك، كما ذكر يحيى بن سعيد، وقال الإمام أحمد كما نقله يوسف ابن عبدالهادي في بحر الدم ص (١٠٥): (ليس أحد في نافع أثبت من عبيد الله بن عمر، ولا أصح حديثاً منه)، والأمر الثاني: أن ذكر مخالفة المشركين تفرد بها عمر بن محمد، وخالفه عبيدالله بن عمر وقد سبق، وأبوبكر بن نافع وعبدالله بن عمر العمري وعبدالعزيز بن أبي رواد ونجيح السندي كلهم يروونه عن نافع دون هذه الزيادة. والأمر الثالث: أن هذه الرواية هي التي انتقاها البخاري في (باب إعفاء اللحى) ولم يذكر غيرها وليس فيها زيادة مخالفة المشركين، كما أن هذه الرواية هي التي صدّر بها الإمام مسلم الروايات في هذه المسألة، والغالب أن التقديم عنده للأصح في الباب ثم يذكر المتابعات، والأمر الرابع: أن الحديث جاء من غير طريق نافع؛ فقد رواه عبدالرحمن بن علقمة عن ابن عمر بغير هذه الزيادة، وقد أشار إلى قضية التفرد في هذا الحديث البيهقي بقوله بعد رواية عبيدالله بن عمر: (وزاد فيه عمر بن محمد بن زيد، عن نافع: «خالفوا المشركين». سنن البيهقي (١/ ٢٣٢)، وقد أغفل ذلك الجديع؛ فلم يعرِض له، بل زاد إلى ذلك قوله في موضع بعيد غير موضع تحقيق حديث ابن عمر ص (١٩١): (وما قد تراه في بعض مصادر الحديث من ترك ذكر العلة، وسياق الأمر بالإعفاء والإحفاء مجرداً إنما هو من قبيل اختصار الرواة … ولم يزل أهل العلم يصيرون بالمجملات للمفسّرات، وبالمختصرات للمطولات، إلا أن تكون الزيادة من غير ثقة، أو من ثقة خالف فيها، أو من ثقة لم يرتق إلى درجة المتقنين؛ فيتفرّد بها، وجميع هذه الصور ليست واردة هنا) انتهى، وليته نبّه على تفرّد عمر بن محمد، وأجاب عنه في موضعه بما يليق بتحقيقه الظاهر في الحديث بما هو أقل وضوحاً من ذلك.