للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علامة على هوى وضلالة كما قال الدارمي (ت ٢٨٠): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلّاتهم، والذي يؤم الحق في نفسه يتبع المشهور من قول جماعتهم، وينقلب مع جمهورهم، فهما آيتان بينتان يستدل بهما على اتباع الرجل، وعلى ابتداعه) (١).

و (لا يكون إماماً فِي العلم من أخذ بالشاذ من العلم) (٢)، وفي ذلك قصة لطيفة فيها عبرة، ذكرها المازري (ت ٥٣٦) عن نفسه، فقال: (وأذكر إذ كنت مراهقاً للبلوغ بين يدي أستاذي وإمامي، وكان أول يوم من شهر رمضان، وبات الناس على غير نية الصيام، فقلت: لا أقضي هذا اليوم على مذهب بعض أصحاب مالك في رواية شاذة، فأخذ بأذني أستاذي، فقال لي: إن قرأت العلم على هذا فلا تقرأه، إن اتبعت بنيات الطريق جاء مثل زنديق. بهذا اللفظ) (٣).

وموقف المسلم من الشذوذات (٤)، يتلخص في الآتي:

١. عدم اعتماد الرأي الشاذ (٥).


(١) الرد على الجهمية ص (١٢٤).
(٢) قاله عبدالرحمن بن مهدي، كما أخرجه ابن أبي خيثمه في تاريخه (١/ ٢٢٧)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (١٥٣٩) وغيرهما.
(٣) ثم قال المازري: (فأنت ترى أيمتنا الذين كانوا يخافون الله، يبالغون في النكير على المتساهل في الدين، والخروج عن مذهب مالك) انتهى، وهذه القصة وإن كانت في الخروج عن مذهب مالك إلا إنها في الخروج عن جميع المذاهب أولى، وبخاصة إذا كان الخروج بانتقاء الشاذ وتركيبه على الواقع كما في القصة، أورد هذه القصة البرزلي في فتاويه (١/ ٨٧) نقلها عن أسئلة المازري، وفتاوى البرزلي جمع واختصار لفتاوى من قبله من مصادر كثيرة، وبعضها من فتاويه، وسماها: "جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكّام".
(٤) انظر: القول الشاذ وأثره في الفتيا ص (٨٩)، تحت موضوع: المنهج الرشيد للتعامل مع الأقوال الشاذة.
(٥) قال الشاطبي في الموافقات (٥/ ١٣٦ - ١٣٨): (زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له … [و] لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ١٣٣): (فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به).

<<  <  ج: ص:  >  >>