[المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل]
المسألة الأولى: أدلة القائلين بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
١/ حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال:«نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير والديباج، وآنية الذهب والفضة»، وقال:«هو لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة»(١)، وماجاء في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن
(١) رواه بهذا اللفظ أحمد (٢٣٢٦٩)، ورواه بنحوه ابن حزم في المحلى (١/ ٢٠٨) كلاهما من طريق وكيع عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن حذيفة به، والشاهد فيه هو قوله: «وآنية الذهب والفضة» دون تقييد ذلك بالشرب، وقد خالف فيه وكيعٌ عامةَ أصحاب شعبة الذين رووه بلفظ النهي عن: «الشرب في آنية الذهب والفضة»، ومنهم: محمد بن جعفر (غندر)، وحفص بن عمر، ومعاذ بن معاذ، وبهز بن أسد، وأبوداود الطيالسي، وابن أبي عدي، وعفان بن مسلم، و وهب بن جرير، و أبوعامر العقدي، فهؤلاء تسعة يروونه عن شعبة بلفظ الشرب، ولم أجد من وافق وكيعاً إلا سليمان بن حرب، وقد قال ابن حجر عن روايته: (هذا اللفظ مختصر)، ولعل سبب ذلك كما قال الخطيب في تاريخه (٩/ ٣٧): (كان سليمان يروي الحديث على المعنى فتتغير ألفاظه في روايته)، وأيّاً ماكان فقد قال عبدالله بن المبارك: (إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم)؛ لأنه كان من أثبت الناس في حديث شعبة، كما قال العجلي في ثقاته ص (٤٠٢)، وممايدل على ضعف مارواه وكيع= أن الحديث رواه عن حذيفة -رضي الله عنه- عبدالله بن عكيم في مسلم (٢٠٦٧) بتقييد النهي بالشرب ولم يخُتلف عليه في ذلك، ورواه عن حذيفة كذلك ابن أبي ليلى، وعنه مجاهد والحكم ويزيد بن أبي زياد، ثم رواه عن هؤلاء الثلاثة تسعة عشر رجلاً كلهم لم يختلفوا في ذكر الشرب، كما في البخاري (٥٤٢٦)، ومسلم (٢٠٦٧)، وابن أبي شيبة (٢٤١٣٧)، وأحمد (٢٣٣٥٧)، والطيالسي (٤٣٠)، وأبي داود (٣٧٢٣)، والترمذي (١٨٧٨)، والنسائي (٥٣٠١)، وابن ماجه (٣٤١٤)، وابن حبان (٥٣٣٩) وغيرها، فالمحفوظ بقيد الشرب، ومما يغني عن هذا البيان أن التقييد بالشرب متفق عليه في البخاري ومسلم، وهذا هو أعلى درجات الصحة، وقد جاء في حديث حذيفة في الصحيحين: النهي عن الأكل في صحاف الذهب والفضة كذلك، والله أعلم.