للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت طويلة ثم لم يأخذ منها، وقد صحَّ أنه -صلى الله عليه وسلم-: «كان كثير شعر اللحية» (١)، قال أبو العباس القرطبي: (ولا يفهم من هذا أنه كان طويلها، لما صحَّ أنه كان كثَّ اللحية أي كثير شعرها، غير طويلة) (٢)، ولا يبعُد أن يكون ابن عمر أخذ من لحيته ليشابه لحية النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما عُرف عنه من المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في بعض الهيئات والأفعال العادية.

- أما تخصيص فعل ابن عمر -رضي الله عنه- بالنسك، فهذا يُسلّم به في حالة، وهي إن أريد به أن للنسك خصوصية، ومعنى للتعبد في الأخذ؛ لأنه من قضاء التفث (٣)، وبذلك فسّره ابن عباس -رضي الله عنه- في معنى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (٤) قال: (التّفث: الرمي، والذبح، والحلق، والتقصير، والأخذ من الشارب والأظفار واللحية) (٥).

- أما إن أريد به أنَّ ابن عمر -رضي الله عنه- كان لا يأخذ إلا في النسك؛ فلا


(١) أخرجه مسلم (٢٣٤٤).
(٢) المفهم (٦/ ١٣٥).
(٣) قال الزجاج في معاني القرآن (٣/ ٤٢٣): (التفث في التفسير جاء، وأهل اللغة لا يعرفون إلا من التفسير)، قال ابن العربي في أحكام القرآن (٣/ ٢٨٤): (هذه لفظة غريبة عربية لم يجد أهل المعرفة فيها شعراً، ولا أحاطوا بها خبراً، وتكلم السلف عليها)، قال الراغب في المفردات ص (١٦٥) في معنى الآية: (أي: يزيلوا وسخهم. يقال: قضى الشيء يقضي: إذا قطعه وأزاله. وأصل التَّفْث: وسخ الظفر وغير ذلك، مما شابه أن يزال عن البدن. قال أعرابيّ: ما أتْفَثَكَ وأدرنك)، قال ابن عاشور في تفسيره (١٧/ ٢٤٩): (وعندي: أن فعل {لْيَقْضُوا} ينادي على أن التفث عمل من أعمال الحج، وليس وسخاً ولا ظفراً ولا شعراً. ويؤيده ما روي عن ابن عمر وابن عباس آنفاً) انتهى، وكون التفث من المناسك هو ما اختاره ابن جرير وسيأتي.
(٤) من الآية (٢٩) من سورة الحج، قال الطبري في تفسيره (١٦/ ٥٢٥): (يقول تعالى ذكره: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر، وأخذ شارب، ورمي جمرة، وطواف بالبيت).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (١٥٦٧٣)، وابن جرير في تفسيره (١٦/ ٥٢٦)، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس به، وسنده جيد، وصححه الألباني في السلسلة الضعيفة (٥/ ٣٧٧)، وهذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ الطبري فيه: (والأخذ من العارضين)، وروي نحوه عن مجاهد، ومحمد بن كعب القرظي.

<<  <  ج: ص:  >  >>