للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب عن هذه المناقشة بأمور:

- أن نصب الخلاف بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته خطأ (١)؛ فإن معنى الإعفاء هو التكثير (٢)، كما قال الله: {حَتَّى عَفَوْا} (٣)، (أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم) (٤)، وهذا مافهمه الصحابة والتابعون وأكثر العلماء، قال ابن حجر: (ذهب الأكثر إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب) (٥)، أما قَصْرُ معنى الإعفاء على الترك مطلقاً، فهذا لم يفهمه السلف فيما وقفت عليه، وهم أعلم بالشرع واللغة، وأكثر ديناً وورعاً.

- أما كون النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستثن شيئاً في الإعفاء؛ فهذا يعود إلى معنى الإعفاء، وسبق أن معنى الإعفاء هو التكثير فلاحاجة للإستثناء، أما من رأى أن الإعفاء بمعنى الترك مطلقاً؛ ففهم منه كراهة الأخذ في غير النسك (٦)، وفهم بعض المعاصرين التحريم مطلقاً.

- والحق أن الإجمال في معنى الإعفاء، وتردد المعنى بين التكثير والترك، مفسّر بفهم السلف له بما يوافق اللغة، فارتفعت دلالة الإعفاء على التكثير من الظن إلى القطع.

- أما الاستدلال بعدم أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا ممتنع حتى يثبت أن لحية


(١) السلسلة الضعيفة (١١/ ٧٨٥)، وقال في (١٤/ ٣٤٢): (وليس هذا من باب العبرة بروايته لا برأيه؛ كما توهم البعض، فإن هذا فيما إذا كان رأيه مصادماً لروايته، وليس الأمر كذلك هنا كما لا يخفى على أهل العلم والنهى).
(٢) قال أبوطالب المكي في قوت القلوب (٢/ ٢٤٢): (قوله: «وأعفوا اللحى» يعني كثروها، ومن هذا قول الله عزّ وجلّ {حَتَّى عَفَوْا} أي: كثروا).
(٣) من الآية (٩٥) من سورة الأعراف.
(٤) تفسير ابن كثير (٣/ ٤٥٠).
(٥) فتح الباري (١٠/ ٣٥١).
(٦) كما فهم ذلك النووي ومن تأخر من الشافعية، وسبق بيان مذهبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>