للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما حقيقة، كغيره من الألفاظ التي نقلت الشريعة حقائقها، كالصلاة والزكاة والصيام (١).

والخلاف حقيقي له آثارُ وثمارٌ، من أهمها:

- أن كل شراب مسكر، فحكم قليله ولو لم يسكر كحكم كثيره، على حد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» (٢)، وأخذ بذلك الجمهور خلافاً للحنفية، فبعض الأشربة عندهم لايحرم منها إلا القدح الأخير المسكر (٣)، (والخلاف إنما هو عند قصد التقوي، أما عند قصد التلهي فحرام إجماعاً) (٤)، ثم إن محمدَ بنَ الحسن قد خالف أباحنيفة في ذلك، وقوله هو المفتى به عند الحنفية، قال


(١) انظر: روح المعاني (١/ ٥٠٧) وقد نبهت هذا التنبيه مع وضوحه؛ لأن الحنفية يستدلون بإجماع أهل اللغة على الحقيقة الشرعية، ولا يُسلَّم بالإجماع، وعلى فرض التسليم فلا يلزم أن تطابق الحقيقة الشرعية الحقيقة اللغوية.
(٢) رواه بهذا اللفظ جمع من الصحابة، منهم: عبدالله بن عمر عند أحمد (٥٦٤٨) وابن ماجه (٣٣٩٢)، و عبدالله ابن عمرو عند أحمد (٦٥٥٨) والنسائي (٥٦٠٧) وابن ماجه (٣٣٩٤)، و أنس عند أحمد (١٢٠٩٩)، و جابر بن عبدالله عند أحمد (١٤٧٠٣) وأبي داود (٣٦٨١) والترمذي (١٨٦٥) وابن ماجه (٣٣٩٣)، وجاء معناه عن سعد بن أبي وقاص، وعلي، وعائشة، وابن عمر، وخوات بن جبير، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، وهو حديث ثابت صحيح، بل عده الكتاني في نظم المتناثر ص (١٥٤) من الأحاديث المتواترة.
(٣) قال ابن رشد: (أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها، أعني: التي هي من عصير العنب. وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام، فقال جمهور فقهاء الحجاز، وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام. وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وابن شبرمة، وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين، وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين) بداية المجتهد (٣/ ٢٣)، وقد أظهر قولَ الحنفية مروّجاً له في الإعلام المعاصر د. سعد الدين الهلالي، ورد عليه العلماء في مصر وغيرها، وقال الشيخ مصطفى العدوي: (هذا الرأي المذكور رأي شاذٌ جدّاً).
(٤) ملتقى الأبحر (٤/ ٢٥٠)، قال ابن عابدين: (فالحرمة عند قصد اللهو ليست محل الخلاف بل متفق عليها) رد المحتار على الدر المختار (٦/ ٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>