للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣/ أما الدليل الثالث، فهو القياس على الأكل والشرب: فغير الأكل والشرب فيه المعنى نفسُه من الهيئة والحالة المنافية للعبودية (١)، والتشبه بالكافرين (٢)؛ وذكر الأكل والشرب في الحديث خرج مخرج الغالب، وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به (٣)، وليس له مفهوم مخالفة، كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (٤)، والرهن في الحضر كالسفر، لكن تَعَذُّر الكاتب يكون غالباً في السفر، ثم إن التحريم إذا كان في الأكل والشرب وهما من العادات فتحريمهما في العبادات كالوضوء أولى (٥).


(١) قال ابن القيم في زاد المعاد (٤/ ٣٢١ - ٣٢٢): (قيل: علة التحريم تضييق النقود، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم، وقيل: العلة الفخر والخيلاء. وقيل: العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها. وهذه العلل فيها ما فيها، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد، والفخر والخيلاء حرام بأي شيء كان، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة، والمراكب الفارهة، والملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، وغير ذلك من المباحات، وكل هذه علل منتقضة، إذ توجد العلة، ويتخلف معلولها.
فالصواب أن العلة والله أعلم ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة).
(٢) انظر: البيان والتحصيل (١٨/ ٥٤٠)، اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ٣١٦) وسيأتي نص كلامهما قريباً.
(٣) انظر: المبدع في شرح المقنع (١/ ٤٧)، كشاف القناع (١/ ٥١).
(٤) من الآية (٢٨٣) من سورة البقرة، قال الشنقيطي: (قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} لا مفهوم مخالفة له; لأنه جرى على الأمر الغالب؛ إذ الغالب أن الكاتب لا يتعذر في الحضر، وإنما يتعذر غالباً في السفر، والجري على الغالب من موانع اعتبار مفهوم المخالفة). أضواء البيان (١/ ١٨٥).
(٥) قال في المغني (١/ ٥٦): (بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى).

<<  <  ج: ص:  >  >>