للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل ما ذكر من اطّراح للرأي الشاذ، والتحذير منه لايعني عدمَ احترام من صدر منه الشذوذ من أهل العلم، أو ترك بقية آرائه، بل كما قال الشاطبيّ عن زلة العالم: (لاينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنّع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإن هذا كله خلاف ما تقتضيه رتبته في الدين) (١).

وما أحسن قولَ ابن عاصم في هذا المقام:

(ولايقال إنَّه تعمّدا … خلاف قصد الشرع فيما اعتمدَ

وواجبٌ في مشكلات الحُكم … تحسيننا الظنّ بأهل العلم) (٢)

واحترام العالم، وحسن الظن به، لايمنع من أن يرد القول الذي أخطأ به أو زلَّ فيه، وذلك مقتضى عدم العصمة لهم، والرد إلى الأدلة هو السلامة، قال القرطبي: (وإذا زل العالم لم يجز اتباعه، ورد قوله إلى الإجماع، وكذلك يجب أن يرد من زل منهم أو سها إلى الإجماع، فهو أولى من الإصرار على غير الصواب) (٣).

وقد كان يكفي لإسقاط بعض الأقوال: إقامة الإجماع وتثبيتُه أو تبيينُ المخالفةِ للنص الصريح، كما قال ابن تيمية: (ما علمناه بالاضطرار وقدح فيه بعض الناس بالنظر والجدل لم يكن علينا أن نجيب عن المعارض جواباً مفصلاً يبين حله، بل يكفينا أن نعلم أنه فاسد لأنه عارض الضروري وما عارضه فهو فاسد) (٤)، إلا إن إقامتهم لبعض الاستدلالات المعتبرة وظنهم ألا إجماع في بعض المسائل، استدعى الاستدلال و المناقشة، والجواب عن الاعتراضات.


(١) الموافقات (٥/ ١٣٦).
(٢) منظومة مرتقى الوصول لابن عاصم ص (٦٠).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٩٢).
(٤) مجموع الفتاوى (٥/ ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>