[المطلب الرابع: الأدلة والمناقشة، وفيه ثلاث مسائل]
المسألة الأولى: أدلة القائلين بالتفريق بين الماء وغيره من المائعات: استدل أصحاب هذا القول، بأدلة منها:
١/ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال:«إن كان جامداً، فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً، فلا تقربوه»(١).
(١) أخرجه عبدالرزاق (٢٧٨)، وأحمد (٧٦٠١)، وأبوداود (٣٨٤٢)، وابن حبان (١٣٩٣) وغيرهم من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به، قال الترمذي في جامعه (٣/ ٣١٢): (هو حديث غير محفوظ)، ونقل عن البخاري قوله: (هذا خطأ أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة)، وقال أبوحاتم كما في العلل لابنه (٤/ ٣٩٣): (وهم، والصحيح: الزُّهْري، عن عُبَيدالله بن عبد الله، عن ابن عبَّاس، عن ميمونة عن النبي)، فالصحيح أنه من حديث ميمونة، وقد اضطرب فيه معمر أيضاً، قال عبدالرزاق في مصنفه (١/ ٨٤): (وقد كان معمر أيضا يذكره عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة، وكذلك أخبرناه ابن عيينة)، وممايؤكد خطأ معمر = أن سفيان بن عيينة يرويه أيضاً عن شيخهما الزهري، قال سفيان: (ما سمعت الزهري يحدثه إلا عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولقد سمعته منه مراراً)، ذكره البخاري في صحيحه (٧/ ٩٧)، وحديث ميمونة أخرجه البخاري (٢٣٥): أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه». فأطلق الحكم ولم يفصل، وأشار البخاري بتبويبه إلى إعلال التفصيل فقال: (باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب) ثم ذكر الحديث، ثم أتبعه بفتوى للزهري -ومدار الحديث على الزهري- أنه سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن، وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها، قال: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أكل». قال ابن القيم في تهذيب السنن (١٠/ ٣٢٠): (واحتجاجه بالحديث من غير تفصيل: دليلٌ على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه، فهو رأيه وروايته، ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتجَّ به، فحيثُ أفتى بحديث الإطلاق، واحتجَّ به: دلَّ على أن معمراً غلط عليه في الحديث إسناداً ومتناً).