للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجزم بها، وقد جزم بشذوذه الإمام أحمد في أول الأمر، وابن بطال، وابن العربي، والقاضي عياض، والقرطبي، وأوّل من صرّح ببطلان صلاة من لم يصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير هو الإمام الشافعي، قال الطحاوي الحنفي: (ولم يقل به أحد من أهل العلم)، وقال ابن بطال المالكي: (ولا سلف له في هذا القول)، وقال الخطابي الشافعي: (ولا أعلم للشافعي في هذا قدوة)، وقد تبيّن بعد البحث صحة ما قالوا، وأن الأمر كما قال ابن عبد البر: (لا أعلم أحداً أوجب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضاً في التشهد الآخر إلا الشافعي ومن سلك سبيله)، وقد سبق مناقشة ما نسب إلى بعض الصحابة وبيان ما فيه من ضعف أو وهم.

وقد جاء في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» (١)، ولم يأتِ في حديث صحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقولها، (وقد علّم عمر بن الخطاب الناس على المنبر التشهد بحضرة المهاجرين والأنصار وليس في شيء من ذلك صلاة على النبي، فلم ينكر ذلك عليه منكر) (٢).

وليس الخلاف في استحبابها؛ فهي مشروعة في التشهد الأخير بلا خلاف، وإنما الخلاف في بطلان صلاة من لم يذكرها، وقد صرّح ابن مسعود -رضي الله عنه- بعدم بطلانها، وعلى ذلك جرى أصحابه في الكوفة (كانوا يقولون: التشهد يكفيهم من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصرّح بذلك عطاء بن أبي رباح في مكة، ولم أقف على مخالف لابن مسعود من الصحابة، ولا لأصحاب ابن مسعود وعطاء ومن هو في طبقتهم، والله أعلم.


(١) أخرجه مسلم (٧٧١) من حديث علي -رضي الله عنه-.
(٢) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>