للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قياس قوله، ثم نسبه إليه جماعة من المتأخرين عنه، وأما الطبري فإن النسبة إليه محل نظر وبعضهم يطلق القول عنه في جواز إمامتها للرجل في الفرض والنفل مطلقاً وهذا لا يقبل مع مخالفته للإجماع إلا بنص ثابت عنه ولا يوجد، وبعضهم يجعل قوله مقيداً في التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها وتقف خلف الرجال وهذا القول رواية عن أحمد وله سلف.

- فتبين أن هذا القول لا يكاد يثبت إلا عن أبي ثور، مع ضعفه حيث لم ينقل من كتاب له ولم ينقل باتصال عنه، إلا إن نقل الشافعية -وهم أصحابه- يقوي النسبة مع تردد في الجزم بها، مع احتمال المنقول عنه وأقوى الاحتمالات: أن رأيه فيما إذا صلى خلف من لم يعلم كونها امرأة، والجواز رواية عن أحمد في حال عجز الرجل عن القراءة في صلاة التراويح وتصلي خلفه، وهو موافق لرأي قتادة.

المسألة الثانية: أدلة القائلين بجواز إمامة المرأة للرجل:

استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:

١/ بحديث أم ورقة -رضي الله عنها- وكانت قد جمعت القرآن: «وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمرها أن تؤم أهل دارها»، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها (١).


(١) أخرجه أحمد (٢٧٢٨٣) مختصراً بهذا اللفظ، وبنحوه عند أبي داود (٥٩٢)، وأخرجه ابن خزيمة (١٦٧٦) وفي لفظه: «وأذن لها أن تؤذن لها، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة»، ونحوه عند الحاكم (٧٣٠) وقال: (وهذه سنة غريبة لا أعرف في الباب حديثاً مسنداً غير هذا)، وأخرجه غيرهم، و مداره على الوليد بن جميع ورواه مرة عن جدته عن أم ورقة، ورواه عن جدته وعبدالرحمن بن خلاد عن أم ورقة، ورواه عن عبدالرحمن بن خلاد عن أم ورقة، ورواه عن ليلى بنت مالك عن أبيها وعبدالرحمن بن خلاد عن أم ورقة، والوليد بن جميع وإن كان من رجال مسلم وقد أخرج له في موضعين إلا أن فيه ضعفاً، والإمام مسلم قد ينتقي من حديث من ضعف حفظه ما عَرَف ضبطه فيه، إلا أن الحاكم قال كما في المدخل إلى الصحيح (٤/ ١٠٧): (لو لم يذكره لكان أولى … غير أن مسلماً على شرطه في الاستشهاد في اللين من المحدثين إذا قدم الأصل عن الثقة الثبت)، وقد قال ابن حبان عن الوليد في المجروحين (٣/ ٧٨ - ٧٩): (كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به)، وقال العقيلي في الضعفاء (٤/ ٣١٧): (في حديثه اضطراب) وبالغ فيه ابن حزم في المحلى (١٢/ ١٦٠) فقال: (الوليد بن جميع - وهو هالك -)!، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال الإمام أحمد و أبو داود: (ليس به بأس) وقال أبو حاتم: (صالح الحديث) كما نقله عنهم في تهذيب التهذيب (١١/ ١٣٨)، ولخّص ابن حجر حاله في التقريب ص (٥٨٢) فقال: (صدوق يهم، ورمي بالتشيع)، والظاهر مما تقدم أن في حفظه ضعف، و يُقبل من حديثه الذي عُرف ضبطه فيه مالم يتفرد بما ينكر، وهذا الحديث مما تفرّد به ولا يحتمل تفرده بمثله خاصة أنه اضطرب فيه، وأن في إسناده من لا يعرف وأعني بذلك: جدة الوليد وعبدالرحمن بن خلاد، ولذلك لما ذكر الإشبيلي الحديث في الأحكام الوسطى ولم يبين علته كما اشترط في مقدمته استدرك عليه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (٥/ ٢٣) بقوله: (وأستبعد عليه تصحيحه، فإن حال عبد الرحمن بن خلاد مجهولة، وهو كوفي، وجدة الوليد كذلك لا تعرف أصلاً)، قلت: قد صدق في استبعاده ذلك؛ حيث ذكر الإشبيلي جهالة عبدالرحمن بن خلاد في الأحكام الكبرى (٢/ ١٢٦) بقوله: (وعبد الرحمن لا أعلم روى عنه إلا الوليد بن جميع)، ولما ذكر ابن الملقن في البدر المنير (٤/ ٣٩٢) سكوت الإشبيلي وسكوت البيقهي عقّب على ذلك بقوله: (وقد علمت ما فيه من الاضطراب والجهالة).

<<  <  ج: ص:  >  >>