للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتّاب، وفيهم من يحسب الصدقات، بل بُعث -صلى الله عليه وسلم- بالفرائض التي فيها الحساب، وقد قال الله: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (١)، فالمنفي هو كتاب و حساب خاصين (٢).

- وكتاب أيام الشهر وحسابه فائدته= ضبط المواقيت التي يحتاج الناس إليها في تحديد الحوادث والأعمال، كما فعل ذلك غيرنا من الأمم فضبطوا مواقيتهم بالكتاب والحساب بالجداول أو بحروف الجمل، وكما يحسبون مسير الشمس والقمر، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب، ولا نحسب هذا الحساب فعاد كلامه إلى نفي الحساب والكتاب، فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه.

- والنفي إذا كان في سياق الكلام ما يبين المقصود، علم به


(١) من الآية (٥) من سورة يونس.
(٢) الأميّ في الأصل المنسوب إلى الأمة، أو إلى الأم أي: الباقي على ماعودته أمه من المعرفة، ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة، تارة يكون فضلاً وكمالاً كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهمه، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال، كالتميز عنهم بالكتابة والقراءة فيمدح لمن استعمله في الكمال ويذم في عكسه، إذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان، فالأمة التي بعث أول مابعث فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لهم كتاب يقرءونه منزل من عند الله كما لأهل الكتاب ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة، وكان الخط فيهم قليلاً، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه، كما قال الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، وقال: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابي غير الأمي، ولما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به وتدبره، صاروا أهل كتاب وعلم بل أعلم الخلق، وزالت عنهم الأمية المذمومة، وقال الله فيهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، وقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، فصارت هذه الأمية: منها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو ترك للأفضل، فمن لم يقرأ الفاتحة تسميه الفقهاء في باب الصلاة أمياً، وهذه أمية محرمة إن قدر على التعلم، ومنها ما هو مذموم كالذي وصفه الله عن أهل الكتاب حيث قال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته. انظر: مجموع الفتاوى (٢٥/ ١٦٧ - ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>