(٢) الأميّ في الأصل المنسوب إلى الأمة، أو إلى الأم أي: الباقي على ماعودته أمه من المعرفة، ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة، تارة يكون فضلاً وكمالاً كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهمه، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال، كالتميز عنهم بالكتابة والقراءة فيمدح لمن استعمله في الكمال ويذم في عكسه، إذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان، فالأمة التي بعث أول مابعث فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لهم كتاب يقرءونه منزل من عند الله كما لأهل الكتاب ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة، وكان الخط فيهم قليلاً، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه، كما قال الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، وقال: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابي غير الأمي، ولما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به وتدبره، صاروا أهل كتاب وعلم بل أعلم الخلق، وزالت عنهم الأمية المذمومة، وقال الله فيهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، وقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، فصارت هذه الأمية: منها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو ترك للأفضل، فمن لم يقرأ الفاتحة تسميه الفقهاء في باب الصلاة أمياً، وهذه أمية محرمة إن قدر على التعلم، ومنها ما هو مذموم كالذي وصفه الله عن أهل الكتاب حيث قال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته. انظر: مجموع الفتاوى (٢٥/ ١٦٧ - ١٧٠).