للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع من يستدل بالإجماع وإلا وقع في التناقض، والسبيل أن يثبت من خالف ذلك الإجماع، أما دعوى أن الإجماع المقبول هو العلم بعدم الخلاف فلعل هذا مما تأثر به ابن القيم بابن حزم، ونقضه شيخه ابن تيمية بقوله: (دعوى الإحاطة بما لا يمكن الإحاطة به، ودعوى أنَّ الإجماع الإحاطي هو الحجة لا غيره، فهاتان قضيتان لا بد لمن ادعاهما من التناقض إذا احتج بالإجماع، فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء الذين أنكر عليهم الإمام أحمد، وأما من احتج بالإجماع بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل) (١)، وأبعد منه أن يُتطلب في الإجماع صريح كلام كل مجتهد في العصر، فهذا لا وجود له في الواقع.

الوجه الآخر:

- أن هذا الإجماع مخالف للرواية المشهورة: «من أفطر يوماً من رمضان، من غير رخصة، لم يجزه صيام الدهر» (٢)، روي مرفوعاً، وموقوفاً عن أبي بكر (٣)،


(١) نقد مراتب الإجماع ص (٣٠٢).
(٢) أخرجه أحمد (٩٧٠٦)، وابن ماجه (١٦٧٢)، وونحوه عند أبي داود (٢٣٩٦)، والترمذي (٧٢٣)، وغيرهم ومداره عند الجميع على ابن المطوّس [أو أبي المطوس] عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، قال الترمذي: (حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يقول: " أبو المطوس: اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث)، وقال ابن خزيمة في صحيحه (٣/ ٢٣٨): (لا أعرف ابن المطوس ولا أباه)، قال ابن حجرفي الفتح (٤/ ١٦١): (فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء).
(٣) قال ابن حزم في المحلى (٤/ ٣١١): (قال بمثل قولنا أفاضل السلف: روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن البيلماني: أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - فيما أوصاه به: من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع)، وأعله ابن حجر في الفتح (٤/ ١٦٢) بالانقطاع بين ابن حزم وابن المبارك، قلت: وقد وقفت عليه موصولاً عند عبدالرزاق (٦٩٣٤) عن ابن المبارك وهو أبو عبد الرحمن الخراساني، عن هشام صاحب الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن البيلماني، أن أبا بكر قال: فيما أوصى به عمر: من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل زكاته ولو تصدق بالدنيا جميعا، ومن صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه صومه، ولو صام الدهر أجمع)، وفي ابن البيلماني كلام، (ولم يدرك أبا بكر) كما في كنز العمال (٦/ ٦٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>