للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعيد بن جبير، و إبراهيم النخعي - وقد كان بصيراً بفقه ابن مسعود- يقولان في رجل أفطر من رمضان يوماً متعمداً؟: (ما ندري ما كفارته، يصوم يوماً مكانه، ويستغفر الله) (١).

فهذا هو فهم التابعين، ولم أقف على مخالف منهم، وأما قول ابن مسعود فهو حق، فمن فوت صيام يوم من رمضان منتهكاً لحرمته فأنّى له قضاء ذلك اليوم بفضله العظيم؟!، أما نفي القضاء فليس بظاهر فضلاً عن أن يكون صريحاً في ذلك، بل هو أسلوب فيه تغليظ و إنذار وتهديد بما لحق المتعمد من الإثم وفاته من الأجر، وبنحو هذا الفهم الظاهري للنصوص أبطل ابن حزم صيام من فعل أي معصية من المعاصي، احتجاجاً بالنهي عن الرفث وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» (٢).

وقد تقدم بحث رأي ابن حزم في: (عدم مشروعية قضاء الصلاة لمن تعمّد ترك أدائها في وقتها بلا عذر)، وظهر للباحث عدم رجحان رأيه، لكنه ليس بشاذ لوجود سلف له، أما هذا الرأي في الصيام فلم أقف على سلف له، والإجماع قبله حجة عليه، ولو قيل بعدم القضاء في الصلاة، لكان القول في الصيام هو القضاء لوجود التفريق بينهما في قضاء الحائض للصوم دون الصلاة.

وبعد: فصيام شهر رمضان واجب بيقين، وثبوته في الذمة لمن أدرك الشهر ممن وجب عليه الصوم لا اختلاف فيه، فلا يُخرج منهما إلا بيقين، والله أعلم.


(١) أخرجه البيهقي (٨٠٦٨)، وإسناده قوي، وانظر: تغليق التعليق (٣/ ١٧٤)، وقد جزم بهما البخاري.
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٥٧)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وانظر: المحلى (٤/ ٣٠٤)، قال ابن حجر في الفتح (٤/ ١٠٤): (وأفرط بن حزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه)، وفي بداية المجتهد (٢/ ٦٩): (ذهب أهل الظاهر إلى أن الرفث يفطر، وهو شاذ).

<<  <  ج: ص:  >  >>