المسألة الثانية: أدلة القائلين بعودة الحاج محرماً بعد حله إذا لم يطف قبل الغروب يوم النحر:
استدل أصحاب هذا الرأي:
١/ بحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مساء يوم النحر فصار إلي، ودخل علي وهب بن زمعة ومعه رجل من آل أبي أمية متقمّصين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوهب:«هل أفضت أبا عبد الله؟» قال: لا والله، يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: «انزع عنك القميص» قال: فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولمَ يا رسول الله؟ قال:«إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلو» - يعني من كل ما حرمتم منه إلا النساء -، «فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به»(١).
(١) أخرجه أحمد (٢٦٥٣٠)، ومن طريقه أبو داود (١٩٩٩)، وأخرجه ابن خزيمة (٢٩٥٨)، والحاكم (١٨٠٠)، والبيهقي في الكبرى (٩٦٠١)، ومداره عند جميعهم على محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، يحدثانه ذلك جميعاً عنها به، وهذا الحديث مداره على محمد بن إسحاق وقد سبق الكلام عن حديثه، وخلاصة حاله ماقال الذهبي في السير (٧/ ٤١): (فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكراً، هذا الذي عندي في حاله) انتهى، وروايته هنا عن أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة وفيه جهالة، روى له مسلم في موضع واحد متابعة، وضعف ابن حزم الحديث بسببه كما في المحلى (٥/ ١٤١): (لايصح؛ لأن أبا عبيدة وإن كان مشهور الشرف والجلالة في الرياسة فليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ)، والحديث سكت عنه أبوداود والبيهقي، وصححه ابن خزيمة والحاكم بإخراجهما له، وكل من قال بنسخه فهو يثبته أو يحتمل ثبوته؛ ولم أقف على من ضعفه من السابقين إلا ابن حزم، وقال العيني في عمدة القاري (١٠/ ٦٩): (حديث أم سلمة هذا شاذ)، وضعفه جمع من المعاصرين كابن باز وابن عثيمين، ومحققي المسند، وصاحب رسالة "دراسة حديثية لحديث أم سلمة في الحج" بتقديم الوادعي والسعد وقد أثنيا على رسالته، ووافقه أبو عمرو ياسر بن محمد في "بحوث حديثية في كتاب الحج" ص (١٣٢)، ود. الصبيحي في "مشكل المناسك" ص (٤٦).