للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ثم قوله: «فالْعبوا بها» سياقه في النساء (١)، ومعنى الحديث: أن الذهب كان حراماً على النساء، وقال لهم ترخيصاً: «العبوا بالفضة»، أي: حلّوا نساءكم منها بما شئتم، ثم نسخ تحريم الذهب على النساء؛ ولذا قال في أوله: «من أحب أن يحلق حبيبه» فدلّ ذلك على أن المراد بقوله: «فالعبوا بها»، أي: حلوا بها أحبابكم كيف شئتم; لارتباط آخر الكلام بأوله (٢)، وهو في بابِ اللبس والتحلي وليس الاستعمال، وبابُ التحلي أوسع، وأما عدم الأمر بتكسيرها؛ فلأن حرمتها ليست لعينها؛ كحرمة الخمر، وإنما لوصفها حال كونها آنية مستعملة، ويمكن حفظ المال وتحلي النساء فيها، والله أعلم.

المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:

بعد عرض هذا الرأي ودراسته، فالذي يظهر أن نسبة القول بجواز استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب إلى الشذوذ صحيحة؛ لمخالفته الإجماع الصحيح، ولم يثبت بعد البحث قول معتبر يصح أن تُخرم به الإجماعات المنقولة عن علماء الأمة (٣)، ولايعرف من قرَّر هذا القول قبل الصنعاني، والله أعلم.


(١) انظر: النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر (١/ ١٤١).
(٢) انظر: أضواء البيان (٢/ ٣٥٥)، وقال: (ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقد غلط).
(٣) وأما قول ابن حجر في الفتح (١٠/ ٩٧): (وأغربت طائفة شذت فأباحت ذلك مطلقاً، ومنهم من قصر التحريم على الأكل والشرب، ومنهم من قصره على الشرب) انتهى، أما قصر التحريم على الشرب؛ فهو منسوب لداود، وسبق مناقشته، وأما قصر التحريم على الأكل والشرب أو إباحة ذلك مطلقاً؛ فهذه دعوى تحتاج إلى إثبات، فلو سُمي أحد لنُظر في قوله وثبوته عنه ودلالته، أما وقد أُبهم فلا يشتغل بالنسبة إلى مجهول، ولا يصح أن يستند إليه، كما قال العيني في مسألة أخرى: (وَمن هم هؤلاء الجماعة المبهمة حتَّى يكون سنداً لدعواه) عمدة القاري (٢٢/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>