للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الجلد، والجورب من غيره؛ ومما يوضّح تفريق الفقهاء قول الشنقيطي: (وأجمع العلماء على جواز المسح على الخف الذي هو من الجلود، واختلفوا فيما كان من غير الجلد) (١).

إلا أنه ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مايدل على أن الخف يكون من غير الجلد أيضاً، يقول الأزرق بن قيس: (رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ومسح على جوربين من صوف فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان، ولكنهما من صوف) (٢)، وهذا المعنى هو الذي عرّف به المناوي الخف شرعاً بقوله: (كل محيط بالقدم ساتر لمحل الفرض، مانع للماء يمكن متابعة [المشي] فيه) (٣)، وبوّب ابن أبي شيبة في مصنفه: (من قال الجوربان بمنزلة الخفين).

والمسح على الخفين هو الأصرح والأصح في النصوص، بل هو


(١) أضواء البيان (١/ ٣٣٧).
(٢) أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (١٠٠٩) من طريق أحمد بن شعيب النسائي، عن عمرو بن علي، قال: أخبرني سهل بن زياد أبوزياد الطحان، قال حدثنا الأزرق بن قيس به. قال الشيخ أحمد شاكر في تقديمه لرسالة القاسمي"المسح على الجوربين" ص (١٣): (وهذا إسناد صحيح)، ثم قال ص (١٣ - ١٤): (وأنس بن مالك صحابيٌّ من أهل اللغة، قبل دخول العجمة واختلاط الألسنة، فهو يبين أن معنى (الخف) أعم من أن يكون من الجلد وحده، وأنه يشمل كُلّ ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إِلَيْهَا؛ إِذْ إن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هَذَا الغالب ليس حصراً للخف في أن يَكُون من الجلد … ولم يأتِ دليل من الشارع يدل على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط. وقول أنس في هذا أقوى حجة ألف مرة من أن يقول مثله مؤلف من مؤلفي اللغة، كالخليل، والأزهري، والجوهري، وابن سيده، وأضرابهم؛ لأنهم ناقلون للغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء. فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسناد صحيح إليه)، قلت: وأخرج عبد الرزاق (٧٧٩) عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أنه كان يمسح على الجوربين قال: (نعم، يمسح عليهما مثل الخفين)، وهذا يدل على التفريق في الحقيقة والتسوية في حكم المسح.
(٣) التوقيف على مهمات التعاريف ص (١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>