للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ثم إن الأحاديث الثابتة في الأمر بالإعفاء والإحفاء علّقت الأمر بمخالفة غير المسلمين، مما يؤكد أنه ليس حكماً تعبدياً محضاً؛ بل معلق بوجود المخالفة (١)، وهذه المخالفة مستحبة مالم يوجد قصد التشبّه، فإن وجد القصد فهنا التشبه المحذور (٢).

- وقد وردت نصوص عديدة فيها أمر وتعليل بمخالفة غير المسلمين، وهي محمولة على الاستحباب؛ كتغيير الشيب، والصلاة في النعال، وأكلة السحر وغيرها (٣).

ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأمور:

- وبين يدي الجواب وتفصيله: فإن هذه الاستنباطات والتأويلات لم أقف عليها بمجموعها عند العلماء من قبل (٤)، وأقول كما قال ابن رجب: (لو كان هذا الاستنباط حقاً لما خفي على أئمة الإسلام كلهم إلى زمنه) (٥).

- أما القول بأن الأمر ليس للوجوب (٦)؛ فهذا يبطله قول الله:


(١) المرجع السابق ص (١٩١).
(٢) المرجع السابق ص (٢٠٩)، فالتشبّه عنده فيه مشابهة وقصد لها، أما الموافقة في الفعل فقط؛ فهذا شبَهٌ وليس تشبّها.
(٣) انظر: المرجع السابق ص (١٩٧ - ٢١٢).
(٤) وقفت على أكثر هذه الاعتراضات في مجموع فتاوى ابن باز (٢٥/ ٢٩٧)، وليس فيها ذكر للمعترض، وقد فنّد ابن باز اعتراضاته، في كلام طويل قال في بدايته: (فقد اطلعت على مقالٍ لبعض الكتاب في عام (١٣٩١) هـ جزم فيه بأن حلق اللحية ليس حراماً، ولا مباحاً، ولكنه مكروه … ).
(٥) فتح الباري (٢/ ٢٤)، يعني: ابن حزم، وهذا في الاستنباط الذي يؤدي إلى قولٍ مخالفٍ للإجماع، وإلا فالكتاب والسنة لا ينضبان من المعاني والدلائل، ولذا قال ابن رجب: (وهو قول لم يسبق إليه، ولو كان هذا الاستنباط … الخ).
(٦) هذا رأي د. القرضاوي هنا وهو يفرّق بين أمر الله فهو للوجوب وأمر نبيه فهو للندب مالم يأت صارف فيهما، كما ذكر في كتابه "نحو أصول فقه ميسر" ص (٢٥)، وهذا الرأي الأصولي لم يقل به إلا الأبهري من المالكية في أحد أقواله المروية عنه، وقد رجع عنه، ورأيه الأول بالتفريق مهجور وغير مشهور حتى قال الزَّرْكشيُّ- وقد نقل عنه القرضاوي قول الأبهري ولم يشر إلى أنه رأي متروك وأنه رجع عنه- في البحر المحيط (٣/ ٢٩٢): (وهو كالمتروك … والصحيح هذا الذي كان يقوله آخر أمره وأنه لا فرق بين أوامر الله تعالى وأوامر رسوله؛ من كون جميعها على الوجوب). وانظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع ص (٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>