للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٌ منها؟! فكيف بها وقد اجتمعت؟! والاعتراض الصحيح: أن يأتي بمن خالف من السلف قبل حكاية ابن حزم للاتفاق، وينقض الإجماع بالخلاف المحفوظ قبله، ولو بفعل واحد.

- و أما قصر دلالته على تحريم المُثلة فقط؛ فهذا لا يحتمله اللفظ: (اتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز … )، فهذا اعتراض مجرّد وتحكّم (١)، وكأن ابن حزم يرد عليه حين قال: (وكذلك الخليفة والفاضل والعالم) أي: لو تزينوا وتجملوا بحلق لحاهم فهي مُثلة محرمة، ومع تأويله البعيد للإجماع، مع امتناع التأويل والنسخ على الإجماع، فلو سلمنا بمراده فلن يُسلّم بالإجماع دليلاً، فالمناقشة معه في الأصل.

- ثم إن ابن حزم لم ينفرد بالإجماع، ولم ينفرد بذكره من المثلة؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- روي عنه الاستنكار على المجوسي؛ حالق اللحية «من أمرك بهذا»؟!، وروي عنه أن إعفاءها من الفطرة، ومخالف الفطرة لا يسلم من المثلة ونحوها، ونصَّ على أنها من المثلة غير واحد، فهي عندهم؛ كجبِّ الذكر (٢)؛ وكحلق المرأة لرأسها، كما


(١) لأنه حكى الإجماع على قضيتين (مثلة) و (لاتجوز)، فحصر نقاشه في أحدهما تحكم.
(٢) قال الحليمي الشافعي في المنهاج في شعب الإيمان (٣/ ٧٩): (وأما حلق اللحية فهجنة وشهرة وتشبه بالنساء، فهو كجبّ الذكر)، وقال الشنقيطي في الأضواء (٤/ ٩٢): (إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم- والعجب من الذين مسخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء، حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر، والأنثى، وهو اللحية. وقد كان -صلى الله عليه وسلم- كث اللحية، وهو أجمل الخلق، وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها، ليس فيهم حالق).

<<  <  ج: ص:  >  >>