للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتها فعليه قضاؤها، وحكي إجماعاً، ولو كان ذلك بغير عذر (١)، وخالف في ذلك بعض السلف وقالوا: لا يعيد المتعمد، وهو قول ابن حزم (٢)، وأحد قولي ابن تيمية (٣)،


(١) قال محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٢/ ٩٩٦): (فإذا ترك الرجل صلاة متعمداً حتى يذهب وقتها فعليه قضاؤها لا نعلم في ذلك اختلافاً إلا ما يروى عن الحسن، فمن أكفره بتركها استتابه وجعل توبته وقضاءه إياها رجوعا منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر تاركها ألزمه المعصية وأوجب عليه قضاءها)، قال ابن رجب في الفتح (٥/ ١٣٣): (وأما ترك الصلاة متعمداً، فذهب أكثر العلماء إلى لزوم القضاء له، ومنهم من يحكيه إجماعاً).
(٢) قال في المحلى (٢/ ١٠): (وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة؛ وليتب وليستغفر الله عز وجل)، وقال في الإحكام في أصول الأحكام (٤/ ٣٨): (أما الصلاة المفروضة المتروكة عمدا والصوم المفروض في رمضان المتروك عمدا فإن الذي فرط فيها لا يقدر على قضائها أبدا وليس عليه صيام يقضيه ولا صلاة يقضيها وإنما عليه إثم أمره فيه إلى ربه تعالى) قال ابن رجب في الفتح (٥/ ١٣٤): (ومذهب الظاهرية - أو أكثرهم: أنه لا قضاء على المتعمد).
(٣) القول الأول له بوجوب القضاء كما في شرح العمدة - كتاب الصلاة ص (٢٣١ - ٢٣٣): (ومن لم يصل المكتوبة حتى خرج وقتها وهو من أهل فرضها لزمه القضاء على الفور … فالإخلال بالوقت لا يوجب الإخلال بأصل الفعل بل يأتي بالصلاة ويبقى التأخير في ذمته، إما أن يعذبه الله أو يتوب عليه أو يغفر له)، ويمكن أن يقال هذا القول متقدم وهو شرح على المذهب في أول أمر الشيخ والقول الآخر هو اختياره، لكنه في مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٨ - ١٩) مال إلى القضاء، وفي (٢٢/ ١٠٣) ذكر الخلاف ولم يرجح، والقول الآخر له -وهو المشهور عن الشيخ- أنه لايشرع له القضاء كما في الفروع (٥/ ٧١): (وعند شيخنا: لا يقضي متعمد بلا عذر "خ" صوما ولا صلاة)، وكما في اختياراته المطبوعة مع الفتاوى الكبرى (٥/ ٣٢٠): (وتارك الصلاة عمداً لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وكذا الصوم وهو قول طائفة من السلف: كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي، وداود وأتباعه، وليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه)، وقال كما في الفتاوى الكبرى (٢/ ١٨) عن تارك الصلاة من غير عذر وهو عالم بالوجوب: (قيل: لا يجب عليه القضاء، وهذا هو الظاهر) انتهى.
س/ وهل يُفرّق ابن تيمية بين من في نيته أن يصلي ولكنه فرّط فيقضي ولو خرج الوقت، وبين من ينوي تركها ثم يخرج الوقت فلا يقضي؟ هذا محتمل فيكون كل كلام له سياقه، ويدل لهذا التفريق قوله في مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٩): (دل الكتاب والسنة، واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها بعد الوقت، والفرق بين من يتركها. ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال لكان الجميع سواء؛ لكن المضيع لوقتها كان ملتزماً لوجوبها، وإنما ضيع بعض حقوقها وهو الوقت، وأتى بالفعل، فأما من … علم الإيجاب ولم يلتزمه فهذا إن كان كافراً فهو مرتد، وفي وجوب القضاء عليه الخلاف المتقدم) انتهى، وللشيخ كلام مهم في التفريق بين من يفوتها في الوقت المشترك، وبين من يفوتها عن وقتها ومايجمع إليها؛ كما قال في منهاج السنة (٥/ ٢١٠): (الذي اتفق عليه العلماء أنه يمكن إعادة الصلاة في الوقت الخاص والمشترك، كما يصلي الظهر بعد دخول العصر، ويؤخر العصر إلى الاصفرار; فهذا تصح صلاته وعليه إثم التأخير … الوقت المشترك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقت لجواز فعلهما جميعا عند العذر، وإن فعلتا لغير عذر ففاعلهما آثم، لكن هذه قد فعلت في وقت هو وقتها في الجملة؛ وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة، ونهى عن قتالهم، مع ذمهم وظلمهم … ما لم يدخل في التفويت المطلق؛ كمن … يؤخر الظهر والعصر عمدا، ويقول: أصليهما بعد المغرب، ويؤخر المغرب والعشاء ويقول: أصليهما بعد الفجر، أو يؤخر الفجر ويقول: أصليها بعد طلوع الشمس، فهذا تفويت محض بلا عذر).

<<  <  ج: ص:  >  >>