للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا محمد هذا لا يستقيم على الحديث. قال إسحاق: يقول القياس على الأصل أن لا يقضي وربما بنى على الأصل، ثم يوجد في ذلك الشيء نفسه خلاف البناء فمن هاهنا خاف ابن المبارك أن يقيس أمر تارك الصلاة في الإعادة على ما جاء أنه كفر فيجعله كالمشرك، ورأى أحكام المرتدين على غير أحكام الكفار، رأى قوم أن يورثوا المسلمين من ميراث المرتد فأخذ بالاحتياط فرأى القضاء على تارك الصلاة عمدا وكان يكفره إذا تركها عمداً حتى يذهب وقتها وإن كان مقرا بها) (١).

المسألة الثالثة: حُكم نسبة هذا الرأي إلى الشذوذ:

بعد عرض هذا الرأي ودراسته فلاشك أن نسبته إلى الشذوذ غير صحيحة؛ فضلاً عن نسبته إلى البدعة أو الكفر وغيرهما من المجازفات؛ فإن القائل: بعدم مشروعية قضاء الصلاة لمن تعمّد ترك أدائها في وقتها بلا عذر، لم يخالف نصاً صحيحاً صريحاً، ولم يخرم إجماعاً متحققاً، وقد استند قائله إلى أدلة له فيها سلف، فهو رأي دائر بين راجح ومرجوح، وقد قال الشوكاني في مقارنته لأدلة هذه المسألة: (المقام من المضايق) (٢)، وإن كان القول بالقضاء أقوى -فيما يظهر- وأحوط؛ كما قال إسحاق بن راهويه: (وأكثر أهل العلم على إعادة الصلاة إذا تاب من


(١) المرجع السابق، وفيه أن ابن المبارك قال: (إذا قال: لا أصلي العصر يومي هذا فهو أكفر من الحمار)، وقد علّق ابن رجب في الفتح على قولي ابن المبارك وإسحاق، ومن ذلك قوله (٥/ ١٣٧): (وفي وجوب القضاء على المرتد لما فاته في مدة الردة قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن أحمد، ومذهب الشافعي وغيره: الوجوب. وهذا الكلام من ابن المبارك وإسحاق يدل على أن من كفر تارك الصلاة عمداً كفره بذلك بمجرد خروج وقت الصلاة عليه، ولم يعتبر أن يستتاب، ولا أن يدعى إليها، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة - أيضاً -).
(٢) نيل الأوطار (٢/ ٣٢)، قال: (إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق).

<<  <  ج: ص:  >  >>