للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونوقش هذا الاستدلال:

- بعدم التسليم فإنه (لمّا بَدَت في التابعين ظاهرة العد للأذكار بالحصى، أو النوى، منثوراً، أو منظوماً في خيط، ابتدرها الهداة من الصحابة والتابعين بالاستنكار، والإِنكار، فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول لإِخوانه من التابعين: (لقد أحدثتم بدعة ظلما، أَوْ قَدْ فَضَلْتُم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- عِلْماً)، وابن مسعود -رضي الله عنه- يقطع خيط آخر، وابن مسعود -رضي الله عنه- يضرب آخر برجله لما رآه يَعُدُّ التسبيح بالحصى، ويعلن في الناس كراهيته للعد بالحصى أو النوى، ويقول: (أَيُمَنُّ على الله حسناته؟)

- وهذا سيد التابعين في زمانه: إبراهيم بن يزيد النخعي المتوفى سنة ٩٦ - رحمه الله تعالى- ينهى بناته عن فتْلِ الخيوط للتسابيح؛ لأَنها وسيلة إلى غير المشروع، وهذا نظير النهي عن بيع العنب لمن يتخذه خمراً) (١).

وأجيب عن هذه المناقشة بأمور:

- أما أثر ابن مسعود -رضي الله عنه- فالثابت عنه هو ما أخرجه ابن أبي شيبة قال: (كان عبد الله يكره العدد ويقول: أيمنّ على الله حسناته؟!) (٢)، فهو في كراهة عدّ الذكر مطلقاً.


(١) السبحة ص (٩٨ - ٩٩)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (١/ ١٩١ - ١٩٢): (إنكار عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- على الذين رآهم يعدون بالحصى … ولوكان ذلك مما أقره -صلى الله عليه وسلم- لما خفي على ابن مسعود إن شاء الله، وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الكوفي، فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها! رواه ابن أبي شيبة … بسند جيد).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٧٦٦٧) قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم به، وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، و أبو معاوية الضرير (أحفظ الناس لحديث الأعمش)، وإبراهيم هو النخعي لم يلق ابن مسعود ولكن مرسلاته عنه قوية؛ وذلك أن الأعمش قال لإبراهيم: (أسند لي عن عبد الله ابن مسعود، فقال إِبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عَبد الله: فهو عَن غير واحد عَن عَبد الله) أخرجه الترمذي في العلل الصغير ص (٧٥٤)، قال ابن عبدالبر في التمهيد (١/ ٣٨): (في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل إبراهيم النخعي أقوى من مسانيده، وهو لعمري كذلك، إلا أن إبراهيم ليس بمعيار على غيره) انتهى، و هو يشير إلى أنه لا يقاس عليه غيره، قال ابن رجب في شرح العلل (١/ ٥٤٢): (وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة)، وعلى هذا التقرير بعض المناقشة، لكنه هنا مقبول وخاصة في مثل الموقوف، على أن الواسطة ذُكرت في طريق لابأس به أخرجه إسماعيل الصفار في جزء فيه أحاديثه ص (٣٠٩) قال: حدثنا عبد الملك بن محمد حدثنا بدل بن المحَبَّر حدثنا شعبة عن الأعمش عن إِبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه أنه: (كره أن يعقد التسبيح، وقال: أتمنون على الله حسناتكم؟).

<<  <  ج: ص:  >  >>