للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ورابعها: أن في القصة عدة أمور منكرة على أولئك النفر (أخرجت الذكر المشروع عن وصفه المعتبر شرعاً إلى وصف آخر، فلذلك جعله بدعة) (١)، (فمن تلك الأمور التي أنكرها ابن مسعود عليهم: القصص، وقد اشتهر عن ابن مسعود كراهته للقصص، ومنها: الهيئة التي كانوا عليها من الاجتماع للذكر، ومنها: المكان الذي اجتمعوا فيه، ومنها: عدّ التسبيح، ومنها رؤيته لصفات كثيرة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر عنها وحذّر من أصحابها، فتوسم عبد الله -رضي الله عنه- ذلك فيهم) (٢).

- خامسها: على فرض التسليم بأنه أنكر عليهم التسبيح بالحصى، فإن الواقعة فيها وصف مهم للمنع، وهو إظهار ذلك، والآثار التي فيها فعل ذلك من بعض الصحابة ليس فيها إظهار، فقد (صدر ذلك عن بعض منهم بوجه الخفاء) (٣)، و (شرط من أجازه من [متأخري] العلماء: بأن يتخذه الإنسان في محل ورده ومصلاه، الذي يخلو العبد فيه بربه حيث لا يراه أحد ولا ينظرون إليه، وأما ما يفعله الناس اليوم -فحاشا وكلّا- بل هو إلى الرياء والسمعة أقرب منه إلى السنة، وكونه بهذا الوجه بدعة محدثة أوضح من الشمس في رابعة النهار، وإذا كان ذلك كذلك فما وجه الاعتراض والتشنيع على من نهي عنه، وسماه بدعة، بل الذي أجازه مطلقاً قد فتح للناس باباً من الريا والسمعة) (٤)، هكذا قال الشيخ سليمان بن


(١) الاعتصام للشاطبي (٢/ ٣٤٠).
(٢) فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي (٢/ ٢٤٩)، وقال (٢/ ٢٥٢): (ثم اعلم أن هذا التوجيه الذي ذكرته لحديث الباب إنما يتجه إذا صح ذلك عن ابن مسعود، فإن أغلب طرق تلك الروايات -إن لم أقل كلها- معلولة ففي ببعضها انقطاع، وفي بعضها ضعف، وفي ألفاظ البعض الآخر نكارة).
(٣) كشف الشبهتين لابن سحمان ص (١١٣).
(٤) المصدر السابق ص (١٠٩ - ١١٠)، وابن سحمان يرى بدعيتها ولكن يعلق ذلك بإظهارها فيما يظهر من كلامه؛ لأنه باب رياء، وتحريمها من هذا الوجه لا إشكال فيه: أعني الرياء، ولكن جعل الإظهار رياء مطلقاً محل نظر، وهو لا يختص بالسبحة بل حتى العقد بالأنامل أمام الناس لا يسلم من ذلك، ومن كلام ابن سحمان في الرسالة السابقة ص (١١٥): (واتخاذه في اليد بحيث يعلمون به الناس مما لم يكن له أصل في الشرع، ولم يكن ذلك من شعار الصحابة كما ذكره شيخ الإسلام فيكون محدثاً مبتدعاً، ومن ادعى ذلك فعليه الدليل، ولم يكن يفعل العد بالحصى في الخلوات إلا القليل على طريق الاستحسان لا على أنه مشروع).

<<  <  ج: ص:  >  >>