للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قال النووي: (ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره، والله أعلم) (١)، قال ابن الملقن: ("من غير اتخاذه عادة" كذا قيده النووي في "شرح مسلم" وأشار به إلى ما يفعله طائفة من المبتدعة ببعض البلدان من غير حاجة، فهو خرق إجماع منهم) (٢).

- فهذا القول الأخير الذي أشار إليه ابن الملقن عن بعض المبتدعة هو الأشبه بالشذوذ ومخالفة الإجماع، وقد ذكره ابن المنذر ولم يسم قائله فقال: (وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين في الحضر مباح وإن لم تكن علة) (٣)، وقد جاء عن الأوزاعي أنه قال: (يجتنب أو يترك من قول أهل العراق خمس، ومن قول أهل الحجاز خمس، ومن قول أهل العراق) ثم ذكر من أقوال أهل الحجاز التي تجتنب لشذوذها: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر) (٤)، وهذا القول هو قول الرافضة (٥)، وأخطأ الشوكاني في نسبة هذا القول لابن سيرين وابن المنذر وغيرهما (٦).


(١) شرح النووي على مسلم (٥/ ٢١٩).
(٢) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٤/ ٨٤).
(٣) الأوسط (٢/ ٤٣٠).
(٤) معرفة علوم الحديث ص (٦٥)، السنن الكبرى للبيهقي (١٠/ ٣٥٦).
(٥) انظر: "مع الاثني عشرية في الأصول والفروع" للسالوس ص (٩٧٢)، قال: (انفردوا بالقول دون المذاهب الأربعة، بإجازتهم الجمع بين الصلاتين بلا عذر، فلم يوافقهم أي مذهب منها).
(٦) وعبارته كما في النيل (٣/ ٢٥٧): (وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقاً بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقاً وعادة. قال في الفتح: وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، وقد رواه في البحر عن الإمامية)، فسوّى بين قول ابن سيرين ومن معه وقول الإمامية، وهو ينقل عن ابن حجر لكنه أغفل قيداً مهماً ذكره وهو الحاجة، كما قال في فتح الباري (٢/ ٢٤): (ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً، لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث)، ولما أغفل الشوكاني هذا القيد وسوى بين قولهم وقول الإمامية ردّه ابن باز بقوله في مجموع فتاويه (٢٥/ ١٦٩): (ولا يجمع بين الصلاتين إلا لعذر وهكذا خلفاؤه الراشدون وأصحابه جميعا -رضي الله عنهم- والعلماء بعدهم ساروا على هذا السبيل ومنعوا من الجمع إلا من عذر، سوى جماعة نقل عنهم صاحب النيل جواز الجمع إذا لم يتخذ خلقاً ولا عادة، وهو قول مردود للأدلة السابقة وبإجماع من قبلهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>