الرَّابِعَةُ: التَّسْمِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَالرَّمْيِ إِلَى الصَّيْدِ، وَإِرْسَالُ الْكَلْبِ. فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهَوًا، حَلَّتِ الذَّبِيحَةُ، لَكِنَّ تَرْكَهَا عَمْدًا، مَكْرُوهٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ. وَهَلْ يَتَأَدَّى الِاسْتِحْبَابُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ عَضِّ الْكَلْبِ وَإِصَابَةِ السَّهْمِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِي كَمَالِ الِاسْتِحْبَابِ. فَأَمَّا إِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ
[عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَدَارَكَهَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ قَطْعًا، كَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ] فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَثْنَائِهِمَا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ وَالصَّائِدُ: بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ، بَلْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ الذَّبْحَ بِاسْمِهِ، وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ، وَالسُّجُودَ لَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ. وَذَكَرَ فِي «الْوَسِيطِ» : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، بِالرَّفْعِ، فَلَا بَأْسَ. وَيُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَا حَكَاهُ فِي «الشَّامِلِ» وَغَيْرِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ ذَبِيحَةٌ يَذْبَحُونَهَا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْمَسِيحِ، لَمْ تَحِلَّ. وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ: أَنَّ الْيَهُودِيَّ لَوْ ذَبَحَ لِمُوسَى، وَالنَّصْرَانِيَّ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، أَوْ لِلصَّلِيبِ، حُرِّمَتْ ذَبِيحَتُهُ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقْوَى أَنْ يُقَالَ: يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: وَخَرَّجَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَعْتَقِدُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْتَقِدُهُ النَّصْرَانِيُّ فِي عِيسَى. قَالَ: وَإِذَا ذَبَحَ لِلصَّنَمِ، لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، سَوَاءً كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا. وُفِي تَعْلِيقَةٍ لِلشَّيْخِ إِبْرَاهِيمِ الْمَرْوَرُوذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، أَفْتَى أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ وَبِاسْمِهِ، نَازِلٌ مُنْزِلَةِ السُّجُودِ لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ جَمَادٍ كَالصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ، لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ، وَكَانَ فِعْلُهُ كُفْرًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute