لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَتِلْكَ مَكْرُمَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِطَعَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَوْ لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِ الْيَوْمِ، فَهَلْ لِلضَّيْفِ الْمُطَالَبَةُ مِنَ الْغَدِ، إِنْ جَعَلْنَا الضِّيَافَةَ مَحْسُوبَةً مِنَ الدِّينَارِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا تَلْزَمُهُمْ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْحَمَّامِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ، وَلَوْ تَنَازَعُوا فِي إِنْزَالِ الضَّيْفِ، فَالْخِيَارُ لَهُ، وَلَوْ تَزَاحَمَ الضِّيفَانِ عَلَى ذِمِّيٍّ، فَالْخِيَارُ لَهُ، وَلَوْ قَلَّ عَدَدُهُمْ، وَكَثُرَ الضِّيفَانِ، فَالسَّابِقُ أَحَقُّ، فَإِنْ تَسَاوَوْا، أَقْرَعَ، وَلْيَكُنْ لَلضِّيفَانِ عَرِّيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ.
فَصْلٌ
تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ عَلَى سَبِيلِ الصَّغَارِ وَالْإِهَانَةِ، بِأَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ قَائِمًا، وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَأْخُذُهَا جَالِسًا، وَيَأْمُرُهُ بِأَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ، وَيَحْنِيَ ظَهْرَهُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ، وَيَصُبَّ مَا مَعَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَيَأْخُذُ الْمُسْتَوْفِي بِلِحْيَتِهِ وَيَضْرِبُ فِي لِهْزَمَتِهِ: وَهِيَ مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ [مِنَ اللِّحْيِ] ، وَهَذَا مَعْنَى الصَّغَارِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهَلْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: مُسْتَحَبَّةٌ، وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَأَنْ يَضْمَنَهَا مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ، وَأَنْ يُحِيلَ ذِمِّيٌّ بِهَا عَلَى مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا إِقَامَةَ الصَّغَارِ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَالِ، وَيَحْصُلُ الصَّغَارُ بِالْتِزَامِهِ الْمَالَ وَالْأَحْكَامَ كُرْهًا، جَازَ، وَالضَّمَانُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مُطَالَبَةَ الذِّمِّيِّ وَإِقَامَةَ الصَّغَارِ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا بِالْأَدَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ طَرْدُ الْخِلَافِ، وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمًا ءفِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُ، جَازَ، لِأَنَّ الصَّغَارَ يُرْعَى عِنْدَ الْأَدَاءِ دُونَ الْعَقْدِ.
قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا، لَا نَعْلَمُ لَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا مُعْتَمَدًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَقَالَ جُمْهُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute