الْأُبُوَّةِ عَنْهُمَا، وَهَذَا غَلَطٌ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَ أَحَدِهِمَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا أُخْتُهُ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَصَارَ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأُخْتِ التَّحْرِيمُ، فَصَارَ كَاشْتِبَاهِ الْمَاءِ بِالْبَوْلِ، فَإِنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا، فَإِنْ جَوَّزْنَا نِكَاحَ إِحْدَاهُمَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي الْمُشْتَبِهَةِ، فَإِنَّ فِيهَا عَلَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي الرَّجُلَيْنِ أَيُّهُمَا الْأَبُ، ثُمَّ يَنْكِحُ بِنْتَ مَنْ لَا يَرَاهُ أَبًا، وَإِذَا نَكَحَ وَاحِدَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى؟ وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: نَعَمْ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إِلَى جِهَةٍ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى بِاجْتِهَادٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ كَالْأَوَانِي.
فَصْلٌ
طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ، فَالرَّضِيعُ ابْنُ الْمُطَلِّقِ وَالْمَيِّتِ، وَلَا تَنْقَطِعَ نِسْبَةُ اللَّبَنِ بِمَوْتِهِ وَطَلَاقِهِ، سَوَاءٌ ارْتَضَعَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَسَوَاءٌ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَمْ طَالَتْ كَعَشْرِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ انْقَطَعَ اللَّبَنُ ثُمَّ عَادَ، أَمْ لَمْ يَنْقَطِعْ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنِ انْقَطَعَ وَعَادَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَلْحَقُهُ، هَكَذَا خَصَّصَ الْبَغَوِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إِذَا انْقَطَعَ وَعَادَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِطَرْدِهِ فِي صُورَةِ اسْتِمْرَارِ اللَّبَنِ، وَكَيْفَ كَانَ فَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ. فَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute