قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَسَلْخُ جَمِيعِهِ قَاتِلٌ، لَكِنْ قَدْ يَفْرِضُ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً بَعْدُ، فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ إِيجَابِ الدِّيَةِ فِيهِ لَوْ حَزَّ غَيْرُهُ رَقَبْتَهُ. وَحَكَى الْإِمَامُ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ بَعْدَ سَلْخِ الْجِلْدِ، تُوَزَّعُ مِسَاحَةُ الْجِلْدِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَمَا يَخُصُّ الْيَدَيْنِ يَحُطُّ مِنْ دِيَةِ الْيَدَيْنِ وَيَجِبُ الْبَاقِي.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَسَلَخَ جِلْدَهُ، لَزِمَ السَّالِخُ دِيَةَ الْجِلْدِ إِلَّا قِسْطَ الْيَدَيْنِ.
فَصْلٌ
التَّرْقُوَةُ: هِيَ الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَتَغْرَةِ النَّحْرِ، وَلِكُلِّ شَخْصٍ تَرْقُوَتَانِ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «الْأُمِّ» وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي التَّرْقُوَتَيْنِ حُكُومَةٌ، وَنَصَّ فِي «اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ» وَغَيْرِهِ أَنَّ فِيهِ جَمَلًا، فَقِيلَ: قَوْلَانِ، الْقَدِيمُ جَمَلٌ، وَالْجَدِيدُ حُكُومَةٌ. وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْحُكُومَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَالضِّلْعِ وَسَائِرِ الْعِظَامِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: إِزَالَةُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا.
الْأَوَّلُ: الْعَقْلُ، فَتَجِبُ بِإِزَالَتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ وَلَمْ تَسْتَقِمْ أَحْوَالُهُ؛ نُظِرَ، إِنْ أَمْكَنَ الضَّبْطُ، وَجَبَ قِسْطُ الزَّائِلِ، وَالضَّبْطُ قَدْ يَتَأَتَّى بِالزَّمَانِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا، وَيُفِيقَ يَوْمًا، فَتَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَوْ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمَيْنِ، فَيَجِبُ الثُّلْثُ، وَقَدْ يَتَأَتَّى بِغَيْرِ الزَّمَانِ، بِأَنْ يُقَابِلَ صَوَابَ قَوْلِهِ، وَمَنْظُومَ فِعْلِهِ بِالْخَطَأِ الْمَطْرُوحِ مِنْهُمَا، وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، فَيَجِبُ قِسْطُ الزَّائِلِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الضَّبْطُ، بِأَنْ كَانَ يَفْزَعُ أَحْيَانًا مِمَّا يَفْزَعُ، أَوْ يَسْتَوْحِشُ إِذَا خَلَا، وَجَبَتْ حُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الدِّيَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ بِأَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute