للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

إِذَا كَانَ لِزَيْدٍ عَلَيْكَ مِائَةٌ، وَلَكَ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ، فَوَجَدَ زَيْدٌ مِنْكَ مَا يُجَوِّزُ لَهُ قَبْضَ مَالِكَ عَلَى عَمْرٍو، فَلَهُ صُورَتَانِ.

إِحْدَاهَا: أَنْ تَقُولَ لِزَيْدٍ: وَكَلْتُكَ لِتَقْبِضَهُ لِي، وَقَالَ: بَلْ أَحَلْتَنِي عَلَيْهِ، فَيُنْظَرُ، إِنِ اخْتَلَفْتُمَا فِي أَصْلِ اللَّفْظِ، فَزَعَمْتَ الْوَكَالَةَ بِلَفْظِهَا، وَزَعَمَ زَيْدٌ الْحَوَالَةُ بِلَفْظِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُكَ مَعَ يَمِينِكَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. وَإِنِ اتَّفَقْتُمَا عَلَى جَرَيَانِ لَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ أَرَدْتَ بِهِ تَسْلِيطَهُ بِالْوَكَالَةِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُكَ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ زَيْدٍ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَمَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْجَارِي بَيْنَكُمَا: أَحَلْتُكَ بِمِائَةٍ عَلَى عَمْرٍو. فَأَمَّا إِذَا قُلْتَ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ عَلَى عَمْرٍو، فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ زَيْدٍ قَطْعًا. فَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ زَيْدٍ، فَحَلَفَ، ثَبَتَتِ الْحَوَالَةُ وَبَرِئَتْ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَحَلَفْتَ، نُظِرَ، هَلْ قَبَضَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو، أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَبَضَ، بَرِئَتْ ذِمَّةُ عَمْرٍو، لِدَفْعِهِ إِلَى وَكِيلٍ أَوْ مُحْتَالٍ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَبْرَأُ فِي صُورَةِ اتِّفَاقِكُمَا عَلَى لَفْظِ الْحَوَالَةِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا، لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْكَ. وَهَلْ لَهُ مُطَالَبَتُكَ بِحَقِّهِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِكَ بِدَعْوَى الْحَوَالَةٍ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَكِيلًا، فَظَاهِرٌ. وَإِنْ كَانَ مُحْتَالًا، فَقَدِ اسْتَرْجَعَتْ مِنْهُ ظُلْمًا، فَلَا يَضِيعُ حَقُّهُ وَالْوَجْهَانِ، فِي الرُّجُوعِ ظَاهِرًا. فَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَقِّهِ عِنْدَكَ، فَلَهُ إِمْسَاكُ الْمَأْخُوذِ؛ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِكَ وَأَنْتَ ظَالِمُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ تَالِفًا، فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>