للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ التَّعْزِيرِ

هُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلَا كَفَّارَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ، كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ بِغَيْرِ قَذْفٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالتَّزْوِيرِ، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَسَوَاءٌ تَعَلَّقَتِ الْمَعْصِيَةُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، ثُمَّ جِنْسُ التَّعْزِيرِ مِنَ الْحَبْسِ أَوِ الضَّرْبِ جَلْدًا أَوْ صَفْعًا إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَيَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ مَا يَرَاهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ بِاللِّسَانِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ التَّرْتِيبَ وَالتَّدْرِيجَ، كَمَا يُرَاعِيهِ دَافِعُ الصَّائِلِ، فَلَا يَرْقَى إِلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا مُؤَثِّرًا كَافِيًا، وَأَمَّا قَدْرُ التَّعْزِيرِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَدِّ، كَالْحَبْسِ، تَعَلَّقَ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَأَى الْجَلْدَ فَيَجِبُ أَنْ يَنْقُصَ عَنِ الْحَدِّ، وَفِي ضَبْطِهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَعَاصِي وَتُقَاسُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ، فَيُعَزَّرُ فِي الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يُوجِبُ حَدًّا، وَفِي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَى دُونَ حَدِّ الزِّنَى، وَفِي الْإِيذَاءِ وَالسَّبِّ بِغَيْرِ قَذْفٍ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ، وَفِي إِدَارَةِ كَأْسِ الْمَاءِ عَلَى الشُّرْبِ تَشْبِيهًا بِشَارِبِي الْخَمْرِ دُونَ حَدِّ الْخَمْرِ، وَفِي مُقَدِّمَاتِ السَّرِقَةِ دُونَ حَدِّ الزِّنَى، وَعَلَى هَذَا فَتَعْزِيرُ الْحُرِّ يُعْتَبَرُ بِحَدِّهِ، وَالْعَبْدِ بِحَدِّهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي سَوَاءٌ وَلَا يُزَادُ تَعْزِيرٌ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ» ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى عَشَرَةٍ بِحَيْثُ يَنْقُصُ عَنْ أَدْنَى حُدُودِ الْمُعَزَّرِ، فَلَا يُزَادُ تَعْزِيرُ حُرٍّ عَلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ جَلْدَةً، وَلَا الْعَبْدِ عَلَى تِسْعَ عَشَرَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>