الْأَلْفَ فِي ثَمَنِهِ، فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: اشْتَرِ ثَوْبًا، وَلَمْ يَقُلْ: بِعَيْنِهِ، وَلَا فِي الذِّمَّةِ، فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ التَّسْلِيمِ تُشْعِرُ بِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمَا.
قُلْتُ: وَإِذَا قَالَ: اشْتَرِ فِي الذِّمَّةِ وَسَلَّمَهُ فِيهِ، فَاشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ فِي الذِّمَّةِ، وَنَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، بَرِئَ الْمُوَكِّلُ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَلْفِ الْمُعَيَّنَةِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
فِي حُكْمِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الْمُخَالِفَيْنِ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ
أَمَّا الْبَيْعُ، فَإِذَا قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ، فَبَاعَ آخَرَ، فَبَاطِلٌ. وَأَمَّا الشِّرَاءُ، فَإِنْ وَقَعَ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ، فَبَاطِلٌ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الذِّمَّةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلُ، وَقَعَ عَنِ الْوَكِيلِ، وَكَذَا إِنْ سَمَّاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشِّرَاءِ، فَإِذَا سَمَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ صَرَفَهُ إِلَيْهِ، صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ. وَالثَّانِي: الْعَقْدُ بَاطِلٌ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ، فَذَلِكَ إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ فَلَانًا، فَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُهُ لَهُ، فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُمَا مُخَاطَبَةٌ. وَيُخَالِفُ النِّكَاحَ حَيْثُ يَصِحُّ مِنَ الْوَلِيِّ وَوَكِيلِ الزَّوْجِ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ، بَلْ لَا يَصِحُّ إِلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْبَيْعِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالْمَجْلِسِ كَالْخِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ إِنَّمَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَاعْتُبِرَ جَرَيَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute