وَقَالَ: أَنَا ظَالِمٌ فِي ضَرْبِهِ، فَضَرَبَهُ الْجَلَّادُ وَمَاتَ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ قُلْنَا: أَمْرُ السُّلْطَانِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِكْرَاهٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ قَالَ: افْعَلْ إِنْ شِئْتَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْ مَا شِئْتَ، أَوْ مَا أَحْبَبْتَ، لَمْ تَكُنْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ، فَإِنْ زَادَ، ضَمِنَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، وَحُرٍّ بِعَبْدٍ، وَالْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، فَقَتَلَهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ الْقَوَدُ عَلَيْهِمَا إِنْ جَعْلَنَا أَمْرَ السُّلْطَانِ إِكْرَاهًا، وَأَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ جَمِيعًا، وَلَوِ اعْتَقَدَ الْجَلَّادُ مَنْعَهُ، وَالْإِمَامُ جَوَازَهُ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ اخْتَارَ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْجَلَّادِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: الْوُجُوبُ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الِامْتِنَاعُ، فَإِنْ أُكْرِهَ فَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ، وَالثَّانِي: لَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ قَتْلِ حُرٍّ بِعَبْدٍ، فَأَمَرَهُ بِهِ تَارِكًا لِلْبَحْثِ، وَكَانَ الْجَلَّادُ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ، فَقَتَلَهُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، فَقَدْ بُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَتْلُهُ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْجَلَّادِ، فَلَا، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الْجَلَّادَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِحَالٍ وَالْإِمَامُ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ بَلِ الْقَتْلَ فَقَطْ، فَالْجَلَّادُ كَالْمُسْتَقِلِّ.
فَصْلٌ
لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَجَّامِ إِذَا حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنِ مَنْ يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ، فَأَفْضَى إِلَى تَلَفٍ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً بِالْأُذُنِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَلَّادِ بِخِلَافِ مَنْ قَطَعَ يَدًا صَحِيحَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، فَمَاتَ مِنْهُ، حَيْثُ تُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَاكَ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ، وَهُنَا الْفِعْلُ جَائِزٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute