فَصْلٌ
طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا، حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ، فَإِنْ صَدَّقْنَاهُ فِي النِّسْيَانِ، فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْبَيَانِ، وَإِنْ كَذَّبْنَاهُ وَبَادَرَتْ وَاحِدَةٌ وَقَالَتْ: أَنَا الْمُطَلَّقَةُ، لَمْ يُقْنَعْ مِنْهُ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: نَسِيتُ، أَوْ لَا أَدْرِي، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُحْتَمَلًا، بَلْ يُطَالِبُ بِيَمِينٍ جَازِمَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَتْ وَقُضِيَ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ.
قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَقَالَ: نَوَيْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي «الْإِمْلَاءِ» ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ زَوْجَتُهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي «الْفَتَاوَى» : لَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِقَلْبِي وَاحِدَةً، طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ حَضَرَتَا، فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: طَلِّقْنِي، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ، لَمْ يُقْبَلْ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَأَمَتُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ، كَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ.
وَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَجُلٌ أَوْ دَابَّةٌ، فَقَالَ: أَرَدْتُ الرَّجُلَ، أَوِ الدَّابَّةَ، لَمْ يُقْبَلْ. وَلَوْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ جَارَتِي زَيْنَبَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، فَتُطَلَّقُ زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ، قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ: إِنْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ، قُبِلَ، وَإِنْ قَالَ: طَلَّقْتُ زَيْنَبَ، لَمْ يُقْبَلْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا، وَأُخْرَى نِكَاحًا فَاسِدًا، فَقَالَ لَهُمَا: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ فَاسِدَةَ النِّكَاحِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، فَهَذِهِ أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute