فَصْلٌ
تُكْرَهُ الْيَمِينُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي طَاعَةٍ كَالْبَيْعَةِ عَلَى الْجِهَادِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْأَيْمَانُ الْوَاقِعَةُ فِي الدَّعَاوَى، إِذَا كَانَتْ صَادِقَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ.
قُلْتُ: وَكَذَا لَا يُكْرَهُ إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ أَوْ تَعْظِيمِ أَمْرِهِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، «وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَأَشْبَاهُهُ فِي الصَّحِيحِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ إِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ، فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ، وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ، وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ، وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ، فَيَمِينُهُ مَعْصِيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ كَصَلَاةِ تَطَوُّعٍ، وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، فَالْإِقَامَةُ عَلَى ذَلِكَ طَاعَةٌ، وَالْمُخَالَفَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ نَفْلٍ، فَالْيَمِينُ مَكْرُوهَةٌ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْنَثَ، وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، مَا إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا، وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، وَقَالُوا: الْيَمِينُ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهَا يَمِينُ طَاعَةٍ، لِمَا عُرِفَ مِنِ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ، وَإِشْغَالِهِمْ بِالضِّيقِ وَالسِّعَةِ، وَهَذَا أَصْوَبُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مُبَاحٍ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِثْلُ هَذَا الْغَرَضِ، كَدُخُولِ دَارٍ، وَأَكْلِ طَعَامٍ، وَلُبْسِ ثَوْبٍ، وَتَرَكَهَا، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يَحْنَثَ، وَهَلِ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ بِالْيَمِينِ؟ أَمِ الْحِنْثُ؟ أَمْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَرْجِيحَ كَمَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute