الْحَدِيثَ، وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، إِنَّمَا عُرِفَ تَحْرِيمُهُ مِنَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْخَبَرَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، إِضْرَارٌ أَيْضًا، وَتَحْرِيمُ الْإِضْرَارِ مَعْلُومٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ التَّعْصِيَةِ بِمَنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ.
فَصْلٌ
يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ فِي الْعِتْقِ، وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ. وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَجْهَانِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَلَدَهَا الصَّغِيرَ، ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا، جَازَ، وَحُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الرَّهْنِ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ. وَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَسْلِيمِهِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْبَزَّازُ: الْقَوْلَانِ فِي التَّفْرِيقِ بَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، أَمَّا قَبْلَهُ، فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَإِلَى مَتَى يَمْتَدُّ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ؟ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: إِلَى الْبُلُوغِ. وَأَظْهَرُهُمَا: إِلَى بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ تَقْرِيبًا. وَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَلَوْ فَرَّقَ بَعْدَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، يَصِحُّ قَطْعًا. وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرًّا، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَا مَنْعَ مِنْ بَيْعِ الرَّقِيقِ مِنْهُمَا. وَهَلِ الْجَدَّةُ وَالْأَبُ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ؟ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي كِتَابِ «السِّيَرِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنِ اللَّبَنِ، جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ الشَّاذُّ فِي مَنْعِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا، هُوَ فِي التَّفْرِيقِ بِغَيْرِ الذَّبْحِ. وَأَمَّا ذَبْحُ أَحَدِهِمَا، فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute