للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

إِذَا اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَجَبَ عَلَى التَّرَاخِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُزَنِيُّ: عَلَى الْفَوْرِ. ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ. فَلَوْ خَشِيَ الْعَضَبَ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَجُزِ التَّأْخِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا تَأَخَّرَ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَمَاتَ قَبْلَ حَجِّ النَّاسِ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حَجِّ النَّاسِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ وَلَزِمَ الْإِحْجَاجُ مِنْ تَرِكَتِهِ.

قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : وَرُجُوعُ الْقَافِلَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَمُضِيِّ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَى مِنًى وَالرَّمْيِ بِهَا، وَإِلَى مَكَّةَ وَالطَّوَافِ بِهَا، اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ، أَوْ جُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ هَلَكَ مَالُهُ بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ، أَوْ مُضِيِّ إِمْكَانِ الرُّجُوعِ، اسْتَقَرَّ الْحَجُّ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ حَجِّهِمْ، وَقَبْلَ الرُّجُوعِ وَإِمْكَانِهِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَسْتَقِرُّ. هَذَا حَيْثُ نَشْرُطُ أَنْ يَمْلِكَ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ.

فَإِنْ لَمْ نَشْرُطْهَا، اسْتَقَرَّ قَطْعًا. وَلَوْ أُحْصِرَ الَّذِينَ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ، فَتَحَلَّلُوا، لَمْ يَسْتَقِرَّ الْحَجُّ عَلَيْهِ. فَلَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ فَحَجُّوا، اسْتَقَرَّ، وَكَذَا لَوْ حَجُّوا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا إِذَا عَاشَ وَبَقِيَ مَالُهُ.

وَإِذَا دَامَتِ الِاسْتِطَاعَةُ وَتَحَقَّقَ الْإِمْكَانُ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ، فَهَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى صَارَ زَمِنًا. وَالْأَصَحُّ: الْعِصْيَانُ أَيْضًا.

فَإِذَا زَمِنَ وَقُلْنَا بِالْعِصْيَانِ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْفَوْرِ لِخُرُوجِهِ بِالتَّقْصِيرِ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْبِرِّ فِيهِ، أَمْ لَهُ تَأْخِيرُ الِاسْتِنَابَةِ كَمَا لَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا؟ فَإِنَّ اسْتِنَابَتَهُ عَلَى التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَعَلَى هَذَا لَوِ امْتَنَعَ وَأَخَّرَ، فَهَلْ يُجِيزُهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِنَابَةِ، أَوْ يَسْتَأْجِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>