للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ انْتَقَضَتْ جِرَاحَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَمَاتَ بِهَا، فَلَا قِصَاصَ لِوَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نِصْفَ الدِّيَةِ، وَالْيَدَ الْمُقَابِلَةَ بِالنِّصْفِ.

فَصْلٌ

فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ عَبْدَيِ الرَّجُلِ الْآخَرِ، فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ مَالٌ عَلَى عَبْدِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ، لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ عَفَا بَعْدَ الْعِتْقِ مُطْلَقًا، لَمْ يَثْبُتِ الْمَالُ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَقْتَضِهِ، وَإِنْ عَفَا بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، ثَبَتَ الْمَالُ.

وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ، إِحْدَاهُمَا عَمْدًا، وَالْأُخْرَى خَطَأً، فَمَاتَ مِنْهُمَا، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، نِصْفُهَا فِي مَالِ الْجَانِي وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنِ اسْتَوْفَى الْوَلِيُّ قِصَاصَ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ عَمْدًا، فَمَاتَ الْجَانِي مِنْهُ، كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَلَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ.

وَأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مُرْتَدٍّ، فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ عَنْ جِهَةِ الرِّدَّةِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ هُوَ الْإِمَامُ، فَلَهُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ، لِأَنَّ لِلْإِمَامِ قَتْلَهُ عَنِ الْجِهَتَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَقَعَ قَتْلُهُ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَا دِيَةَ لَهُ، لِأَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ لَا يَمْلِكُ قَتْلَهُ عَنِ الرِّدَّةِ، قَالَ: وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا مُرْتَدًّا، وَقَتَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ عَنْ جِهَةِ الرِّدَّةِ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْإِمَامُ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ صَارَ قَابِضًا، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ظُلْمًا مَحْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِالسَّوْطِ عَشْرَ ضَرَبَاتٍ فَصَاعِدًا مُتَوَالِيَةً، فَمَاتَتْ، فَإِنْ قَصَدَ فِي الِابْتِدَاءِ الْعَدَدَ الْمُهْلِكَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَصَدَ تَأْدِيبَهَا بِسَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَجَاوَزَ، لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْعَمْدُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا قَالَ: قَتَلْتُهُ بِشَهْوَةِ نَفْسِي لَا عَنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>